‏إظهار الرسائل ذات التسميات آراء وأفكار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات آراء وأفكار. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، أبريل 11

الدين المعاملة

الأخلاق لغة عالمية، يفهمها الجاهل والعالم، والأحمق والنابغ، والعدو والصديق، ومن يتحدث بلسانك ومن هو ذو لسان غريب، يفهمها قريبك الذي ألفك وعرف معالم شخصيتك ويفهمها البعيد الذي لم يتعامل معك من قبل، فأمام الأخلاق تلين أصلب القلوب، وتخضع أظلم النفوس، قد لا تعترف بذلك صراحة، ولكن تضيء تلك المواقف الأخلاقية نافذة نور في حياتها فيفكر فيها وينتعش بالتحليق في أجوائها حيناً من الزمان إلى ان تكبر فتتحول إلى هالة قوية من النور تضيء القلب وتنعكس على الجوارح،
 وقد تكون الاستجابة لهذه اللغة عالمية سريعاً، فيعجب من يستقبلها، ويدهش بل ينبهر ثم يخضع راضياً، ويسرع متراجعاً وقد طرد شعاع الحق ظلمة الباطل الذي كان عليه، وقد اجتذبت الاخلاق إلى ساحة الحق أرتالاً من البشر ذوي النفوس الوضيئة تأثراً بها، بل كم جذبت من ذوي النفوس الشديدة المستكبرة أو الشاردة عن الهدى، والأخلاق أسر للقلوب وأجمِلْ به من أسر! وزيع للقلوب وأعظم به من زيغ عن الضلال إلى الهدى! وصرف لها وأكرم به من صرف عن الباطل إلى الحق!
ونتأكد بهذا من صدق مقولة (الدين المعاملة)، وماذا يكون الدين إن لم يكن تهذيباً للنفس وصيانة للقلب وتقويماً للسلوك؟ ماذا
يكون الدين إن لم يعلم أبناءه حسن التعامل مع غيرهم؟
وكيف أسلمت قرى بل أمم بأكملها؟ وما خبر اندونيسيا وشرق آسيا عنا ببعيد، فالصين مثلاً لم تطأها قدم فاتح من المسلمين، ولكن نور القرآن أعظم أثراً ولغة الأخلاق أسرع انتشاراً، فلما بلغت أسماع أهلها أنباء هذا الدين ورأوا وسمعوا عنه ما ترجف له الأفئدة إعجاباً وإجلالاً سارعوا إلى دين الله زرافات ووحدانا، وما زالت أعداد المسلمين في تزايد كبير في هذه البلاد.
وفي عصر الفتوحات الاسلامية كان المسلمون يفتحون البلاد، ثم يقوم الاسلام بعمله التلقائي في التأثير في القلوب، فما هي إلا برهة من الزمن إلا ويسارع أهلها إلى ساحة الحق ويصبحون من أخلص العباد.
ألم تكن الأخلاق ذلك النور الذي قذف في القلوب المظلمة فبدد ظلمتها؟ وتحولت رفقة النور إلى شمس ساطعة تضيء تلك النفوس رويداً رويداً إلى ان يعمها ضوء النهار في أصفى حالاته وأجلاها، فتغذو نفس المسلم شمساً تشع نوراً وهدى وحسن خلق؟
وما تلك النفوس التي لا تتأثر بخلق حسن أو معاملة طيبة ولا تأسرها خصلة خير أو سماحة نفس أو رفعة جوارح أو سمو شمائل؟

وقد قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ - سورة الحجرات

الثلاثاء، أبريل 10

الأفكار وجدليات الواقع


العلاقة الحميمة التي تربط الأفكار بالواقع، بحيث إنه من الصعب أن نجد واقعا بلا أفكار وتصورات تدعمه وتبرر مسيرته، كما أنه لا يمكن أن نجد أفكارا إنسانية بلا واقع.
هناك علاقة جدلية تربط الأفكار بالواقع، حيث أنه لا يمكن أن توجد فكرة وتنمو بدون الواقع بأضلاعه الثلاثة (الزمان - المكان - الإنسان). كما لا يمكن لهذا الواقع أن يعيش ويتطور وينظم علاقاته الداخلية والخارجية، بدون الفكرة أو جملة من الأفكار تشكل نسقا نظريا متكاملا. من هنا فإن المدخل الطبيعي لفهم الأفكار، هو فهم الظرف والواقع، الذي برزت فيه الأفكار فهما حقيقيا، وهي في عالم التجريد والمثال والبعد عن الواقع بمعطياته العديدة، كما أن الواقع بأحداثه وتحولاته، بإيجابياته وسلبياته، بإنجازاته وإخفاقاته، لا يمكن أن ندركه حق الإدراك ونفهمه حق الفهم، بدون فهم الأفكار التي عملت وأثرت في ذلك الواقع. نحن بحاجة إلى فهم الأفكار التي صنعت أو شاركت في صنع ذلك الواقع، كما إننا لكي نفهم الأفكار، نحن بحاجة إلى فهم الواقع، الذي هو وعاء الأفكار وحاضن الممارسات العملية والبرامج والخطط والسلوكيات المتعددة والمتنوعة المناحي .ونخطىء خطأ فادحا حينما نحاول بشكل متعسف، أن نفصل بين العنصرين حيث أن تجريد الواقع من الأفكار، يحوّله إلى مجموعة من الأحداث المتناثرة، التي لا صلة فعلية لبعضها البعض، كما إن انتزاع الأفكار من الواقع، يسقطنا في متاهات التعميم والتعصب لجملة من الأفكار قد تكون صالحة لزمان دون آخر أو لمكان دون آخر. لذا فإننا نظلم الأفكار ولا ندركها في سياق تطورها الطبيعي، حينما نقرأها بعيدا عن الواقع الذي نشأت فيه . كما إننا قد نخضع الواقع لمبتغياتنا وأهوائنا الفكرية حتى لو كان الواقع يسير في الاتجاه المعاكس .

الاثنين، مارس 12

الحياة في ظل عولمة الفاشية


 
بقلم: د. المهدي المنجرة (*)

لا يمكن الحديث عن انتهاء الحرب بالعراق، إنها بالأحري حرب بدأت منذ عقود ولم تنته بعد، لقد سميت ما يقع بعد انهزام الاتحاد السوفياتي ودخولنا في حقبة القوة الوحيدة ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب الحضارية، إنها حرب ضد كل ما هو عربي مسلم، وإذا شئنا فهي ضد كل ما هو غير يهودي مسيحي.

 
فالحرب علي العراق لا يمكن أن تدخل إلا ضمن مسلسل بدأ منذ بداية تسعينات القرن الماضي مع نهاية المعسكر الشيوعي ولا يزال مستمرا، وسيستمر علي الأقل لمدة 15 إلي 20 سنة. بالتالي، فمن حيث المقاصد فإن ما حدث يوم 11 ايلول (سبتمبر) لا يغير شيئا في المسلسل المذكور، حيث كانت كل الأشياء مهيأة ووفق عدة سيناريوهات، والقصد الأساسي هو كيف سيمكن للولايات المتحدة أن تسيطر علي العالم بأسره، وأحسن طريقة في سبيل ذلك هي أن تدخل الولايات المتحدة إلي منطقة عربية مسلمة استراتيجية من الناحية الجغرافية ولديها الموارد الطبيعية الغنية مثل النفط، غير أن هذا ليس سوي محطة ضمن مسار أوسع.

 
إننا بإزاء ما أسميه الميغا إمبريالية ، ذلك أنه علي عكس التعريف الكلاسيكي للإمبريالية مع الرومان ثم المرحلة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، إذ كانت الإمبريالية توسعا استعماريا للاستيلاء علي مناطق لأسباب اقتصادية، وبالأخص المواد الخام، وسوق ترويج ويد عاملة رخيصة، وهذا كان ضمن ما سمي بالثورة الصناعية، أما الآن، فإن المرحلة الصناعية انتهت وأصبحنا نعيش في عالم ما بعد هذه المرحلة، وهو المجتمع المعرفي.

 
إن الفرق ما بين الإمبريالية الكلاسيكية والميغا إمبريالية هو أن هذه الأخيرة لا تحتاج للجغرافيا، حيث لديها وسائل جديدة مثل التكنولوجيا المتطورة للسيطرة علي العالم بأسره عبر تقنيات المراقبة، وبالتالي فإن هذه الوسائل أصبحت تغني عن الوجود في عين المكان، فثمة أقمار صناعية تنقل كل تفاصيل ما يجري في شتي مناطق العالم، وهو ما يكفل التحكم عن بعد. ثم أن المعلومات لم تعد محصورة في الاستخدام العلمي، بل إن الولايات المتحدة حولت العالم في السنين الأخيرة بكل وقاحة إلي عالم استخباري، حيث إن هناك شطرا من الميزانية الفيدرالية للولايات المتحدة بالخصوص تبلغ نحو مليار ونصف مليار دولار لشراء الصحافيين والكتاب بغرض توظيفهم للأعمال الاستخباراتية.

 
لقد أصبح للميغا إمبريالية أسلوب جديد ولغة من تركيب جديد، والميغا حسب مدلولها تقتضي الانفراد بالقرار فهي لا تقبل إمبريالية أخري منافسة علي عكس ما كان في السابق، حيث كانت الإمبريالية الفرنسية مثلا تقبل بوجود إمبرياليات أخري ألمانية وبريطانية وإسبانية أو غيرها.