الثلاثاء، أكتوبر 11

هل الأمواج الكهرومغناطيسية الصادرة عن الهواتف النقالة والهوائيات تشكل خطرا على الصحة؟


 لماذا هنالك انقسام بين الباحثين والمختصين حول مدى خطورة هذه الأجهزة من عدمها؟، هل ضغوط الشركات الكبرى للاتصالات والأموال التي تغدق بها على مختبرات أبحاث أحيانا متواطئة وأحيانا أخرى مريبة في مصداقيتها هي التي تحاول إخفاء الحقائق على الناس؟...لماذا كل هذا الجدل البيزنطي الذي طال أمده واستمر يسفسط  منذ أواسط التسعينيات إلى غاية الآن بدون جدوى وبدون الوصول إلى أية نتائج نهائية ومؤكدة؟... بدون شك أن للمال دخل في ذلك سيما وأن من شيم الكثير من البشر الطمع والغدر.
لا طعم لها ولا تُرى بالعين المجردة، ولكنها موجودة في كل مكان، وتغمرنا من أخمص أقدامنا حتى قمة رؤوسنا في العمل والشارع والمنزل، إنها الأمواج الكهرومغناطيسية الصادرة عن الهواتف النقالة، الهواتف اللاسلكية، المجيبات والفاكسات، الأجهزة التي تشتغل على البطاريات، أجهزة الكمبيوتر المحمولة، الشاشات الكاتودية أو ذات الكريستال السائل، البرادات، الثلاجات، المواقد والكنائس الكهربائية، المصابيح الكهربائية، أجهزة الإنذار والرادار، هوائيات الهواتف النقالة، أجهزة الإرسال الهرتزية، موجات الميكرويف والواي فاي، التشويش الكهربائي الصادر عن القطارات ومحطات الميترو والحافلات، الخطوط الكهربائية ذات الجهد العالي والعالي جدا إلخ...
والخطير في الأمر هو أن استعمال هذه الأمواج بشكل واسع وكثيف في الحياة اليومية للبشر تم دون تأكد العلماء تأكدا لا يرقاه شك من عدم تأثيرها تأثيرا سلبيا على الصحة العامة، لذلك اختلط الحابل بالنابل، وأضحى من المألوف كلما ظهرت دراسة تثبت خطورتها، تتبعها بسرعة فائقة دراسة أخرى مضادة تدحض ذلك، فبينما يقول أصحاب النظرية المتشائمة بأن هذه الأمواج الكهرومغناطيسية، خاصة تلك التي تصدر عن الهواتف النقالة وهوائيات الاتصالات تشكل خطورة كبيرة على الصحة، ويضيفون بأن المعايير المعمول بها حاليا في جميع بقاع المعمور هي مشرعة لحماية الشركات الصناعية الكبرى وليس لحماية الإنسان، يرد عليهم أصحاب النظرية المتفائلة بالقول بأنه لحد الآن لم يثبت علميا وواقعيا تأثير الأمواج الصادرة عن الهواتف النقالة والهوائيات على الدماغ البشري وأنسجة الجسم بصورة مباشرة ومؤكدة.
فمع بزوغ فجر العولمة واقتصاد السوق وقيم الاستهلاك المحموم (5 ملايير هاتف نقال، 5 ملايير تلفزة، 2 مليار كمبيوتر، 1.1 مليار سيارة.....)، انتشرت الهواتف النقالة والهوائيات في المدن والأرياف والجبال وفي كل فج عميق كالنار في الهشيم، حتى أصبح العالم بأسرة أسيرا داخل بالون ضخم من الأمواج يغلف الكرة الأرضية، ولم يعد هنالك أية إمكانية للحد من ذلك أو العودة إلى الوراء، لقد أضحت البشرية كلها فئران مختبرات لأسوأ التجارب على مر التاريخ، فبينما الأبحاث والدراسات المتعلقة بتأثير هذه الأمواج الكهرومغناطيسية تسير سير السلحفاة، يحرز التقدم الحاصل في ميدان الهواتف النقالة والاتصالات نقلات نوعية تسير بسرعة الضوء، لدرجة أن بعض العاملين في ميدان الاتصالات يقرون هم بأنفسهم بأن شركات الاتصالات الصناعية الكبرى هي لوبي ضخم وأخطبوط تنتشر أدرعه في كل مؤسسات الدول وإداراتها من القمة حتى السفح، ولن يسمح لفئران التجارب بمعرفة الحقيقة المرة عن خطورة هذه الهواتف النقالة حتى لا تُصاب مبيعاته بالكساد وتضحي تجارته بائرة خاسرة.
إن أول الدراسات العالمية الموثقة وذات المصداقية هي تلك التي  أجرتها في نهاية تسعينيات القرن الماضي  مادلين باستيل، البروفيسورة  في علم المناعة والطفيليات بكلية مونبوليي1 بفرنسا  حول تأثير الأمواج الكهرومغناطيسية الصادرة عن الهاتف النقال على الجسم، بحيث قامت هذه السيدة المتوفاة مند مدة بتعريض مجموعة من أجنة الدجاج لهذه الأمواج، فوضعت فوقها مباشرة هاتفا نقالا بقي شغالا طيلة فترة الحضانة التي هي 21 يوما.
فكانت النتيجة مذهلة وصادمة، إذ ارتفع عدد الوفيات بشكل كبير لا يمكن تفسيره سوى بتعرض هذه الأجنة لجرعات كبيرة من الأمواج الكهرومغناطيسية الصادرة على الهاتف النقال، وما إن شاعت نتائج أبحاث هذه السيدة حتى بدأت تنهال عليها المضايقات عن طريق البريد العادي والبريد الإلكتروني والهاتف المنزلي، وصلت في بعض الحالات إلى درجة تهديدها بالقتل من طرف مجهولين إن هي استمرت في تجاربها وأبحاثها.
إن هوائيات الاتصال التي أصبحت تنمو كالفطر في كل مكان، فوق أسطح الإدارات والعمارات في الحدائق والمنتزهات والغابات، تنبعث منها حسب نطاقات التردد جرعات ما بين 41 و 61 فولت في كل متر، وهي جرعات يعتبرها الكثير من الخبراء والباحثين جد مرتفعة مقارنة بمعايير أخرى تعمل بها دول مثل اللوكسمبورغ وسويسرا وإيطاليا، وتتأرجح ما بين 4 و6 فولت في كل متر كحد أقصى لا يجب تجاوزه،  لأنها تشكل خطورة على صحة الناس خصوصا منهم الأطفال الصغار (إصابات بالسرطان والأنيميا والغدد...)،  والتفسير الوحيد لارتفاع معايير الجرعات  إلى المقاييس المذكورة سابقا هي أنه كلما كانت المعايير المعمول بها تحدد جرعات متدنية كحدود قصوى لا يجوز تجاوزها للسماح بتثبيت هوائيات الاتصالات، كلما ازداد عدد الهوائيات، مما ينتج عنه ارتفاع نفقات إنشاءها أولا وصوائر تدبيرها وصيانتها ثانيا 'وزيد الماء زيد الدقيق'، و لكل رئيس شركة من لوبيات الاتصالات حاسبة في جيبه تعمل فقط بمنطق الربح والخسارة، أما الصحة العامة فلا وجود لها في هذه الحاسبات ولتذهب إلى الجحيم.
إن المعايير المعمول بها حاليا في معظم دول العالم خصوصا منها ما كان يسمى بالعالم الثالث، العالم الرابع أو ما فوق ذلك حاليا، أصبحت متجاوزة لأنها لا تحمي من شيء ولا تأخذ بعين الاعتبار غير التأثيرات الحرارية ، أما باقي المؤثرات الأخرى الغير حرارية مثل التأثير على الجهاز العصبي  وعلى الهرمونات وعلى حاجز الدم في المخ وغيرها وذلك على المدى المتوسط والبعيد، ولحد الآن، لدر الرماد في العيون، يكتفي  هذا الأخطبوط الصناعي بإعلان في جميع كاتالوجات الهواتف النقالة ما يسمى بمعدل الامتصاص النوعي) (SAR:Specific Absorption ratioالذي حددته المعايير المعمول بها حاليا في 2 وات لكل كلغ كحد أقصى لا ينبغي تجاوزه (1.60  وات لكل كلغ في الولايات المتحدة الأمريكية)، وبالرغم من هذه المعايير فإن الحقائق عن خطورة الأمواج الصادرة عن الهواتف النقالة  لا تُقال أو يتم وأدها في مهدها، ويذهب بعض الباحثين إلى اعتبار معدل الامتصاص النوعي نكتة سخيفة لأن هذا المعيار لا يحمي في أي حال من الأحوال من مخاطر موجات الهواتف المحمولة لأنه لا يعكس الحقيقة ولا يقول شيئا غير حماية لوبي الاتصالات، وأن استعمال هاتف محمول بمعدل ساعتين يوميا لمدة عشر سنين كفيل أن يرفع نسبة إحداث سرطان في المخ مرتين، كما تمت ملاحظة تغيرات في التخطيط الدماغي للمخ كدليل على حدوث اضطراب في نشاط الدماغ وذلك بعد مرور أكثر من عشر دقائق على استعمال الهاتف النقال.
وعلى المستوى العالمي، لاحظ المركز العالمي لبحوث السرطان زيادة في مخاطر الإصابة بالسرطان عندما يتعرض الأطفال لكميات كبيرة من الأمواج الكهرومغناطيسية، وأظهرت دراسة اسكندنافية أن خطر ورم العصب السمعي أصبحت أعلى بعد عشر سنوات من استخدام هواتف نقالة، كما أصدر فريق من أطباء الأورام الفرنسيين والأمريكيين في الآونة الأخيرة تحذيرات حول الإشعاعات المنبعثة من الهواتف النقالة، وذلك من باب الحيطة والحذر، ووقع علماء من جنسيات مختلفة معظمهم اختصاصيون في أمراض السرطان نداء للحذر من استعمال الهواتف النقالة، معتبرين أن الخطر اليوم غير معروف بشكل تام ودقيق وحاسم، وما فتئ الخبراء والمهتمون بالصحة العامة يتزايدون يوما بعد يوم محذرين من مخاطر أمراض السرطان التي ينطوي عليها استخدام الهواتف النقالة بشكل مستمر ومتواصل خصوصا إذا كانت ملتصقة بالأعضاء الحيوية للجسم كالدماغ والقلب والحزام (في عظام الحوض تُنتج معظم خلايا كريات الدم الحمراء)، كما أظهرت دراسة علمية إسبانية أن وضع نظارات ذات إطار معدني أثناء الحديث عبر هاتف نقال يزيد بنسبة 25 من كمية الموجات الكهرومغناطيسية التي يمتصها المخ، وأخير خبر للنساء فقط، و حتى بعض 'الرجال' كذلك، فقد أظهرت نفس الدراسة الإسبانية أن وضع أقراط أذن، غير البلاستيكية المموهة بالطبع، تزيد هي الأخرى بنسبة 25 %  من كمية الموجات الكهرومغناطيسية التي يمتصها المخ أثناء مكالمة عبر الهاتف النقال، في انتظار نتائج بعض الدراسات الجارية حاليا كتجربة كوسموس البريطانية (Cosmos :Cohort Study Mobile Communications) والتي لن تظهر نتائجها إلا سنة 2030 على أقرب تقدير و 2040 على أبعده، أي حتى يصل الموس إلى العظم...والفاهم يفهم ، 'واللي ما بغاش يفهم دابا الأيام توري لو'، أفينكم أناس الغيوان.
هوامش:
معدل الامتصاص النوعي SAR:Specific Absorption ratio: هو مؤشر يقيس الترددات اللاسلكية الصادرة عن الهاتف النقال في استخدامه في كامل طاقته وفي أسوأ ظروف الاستعمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق