الخميس، يوليو 5

رمضان آتي .. "فلا تفتح له الباب"


 
من بعيد يأتي ليزورنا، وكل آت قريب. يقطع الوديان والجبال والسهول. يتجاوز الحدود والبحار والمحيطات. يتجاهل التأشيرة والتعرفة الجمركية. لا يلقي بالاً لتقلبات الأوضاع السياسية والتحشدات العسكرية…
من بعيد يأتي ليزورنا، وكل آت قريب.
ننتظره أحياناً بلهفة، وأحياناً نفاجأ به في غمرة انشغالنا. مرة نفرح به ونستعد لزيارته لنا، ومرة نضيق ونبرم، ونتمنى لو أخرها يوماً واحداً، وإن كنا نخفي ذلك أدباً وتأدباً.
من بعيد يأتي ليزورنا، وكل آت قريب
لا يخلف موعد زيارته أبداً. لكن موعده يختلف بيوم أو يومين. يأتينا في السنة مرة مثل مغترب مشتاق. فيمكث عندنا شهراً –وأحياناً شهراً إلا يوماً- كما المغتربين المشتاقين، لكن المستعجلين، يأتي إلينا محملاً بالحقائب والأمتعة، فنهرول إليه، ولا نكاد نسلم علي ونؤدي الواجب، حتى نلتفت إلى الحقائب، فتتبعثر محتوياتها وهداياها الغالية، نتفحصها ونقيم أثمانها، ونتخاصم حول تقاسمها، ونثرثر حول ذلك طوال الوقت، ونصدع رأسه بخصوماتنا.
وعندما يذهب، تكون حقائبه فارغة إلا من مشاكلنا وطلباتنا. لو كان مثل كل المغتربين لأقسم ألا يأتي في السنة القادمة، لكنه لا يفعل ذلك أبداً، سيأتي في كل الأحوال…
رغم شبح الحرب الذي يروح، ويجيء بالقرب من حدودنا، رغم صدودنا، رغم عقوقنا، رغم نسياننا ورغم جحودنا؛ يظل يأتي إلينا ويزورنا
إنه هناك. لعله الآن في الشارع المجاور، أو البيت المجاور. لعله الآن قد هبط من السيارة محملاً بحقائبه.. من بعيد يأتي إلينا، وكل آت قريب.

رمضان على الأبواب، يكاد يطرقها. فلا تفتح له..
ليس خطأ مطبعياً
أقول لك: هذه المرة لا تفتح له..
نعم هذه المرة عندما يأتي رمضان، لا تفتح له أبوابك. أوصدها جيداً. ارفع مستوى تحصيناتك. زد من الأقفال والمتاريس. اقطع الكهرباء عن جرس الباب.
وأحكم إسدال الستائر، وضع القطن في أذنيك؛ حتى لا تشعر بتأنيب الضمير.
وحتى لا تفتح له.
أقول لك: لا داعي، لا تفتح له.
صدق ما أقول: لا تفتح له.
***
إذا كنت ستفعل به ما فعلته في المرة السابقة، لا تفتح له.
إذا كان سيمر على حياتك كما مر في السنوات السابقة، لا تفتح له.
لا داعي لذلك.
إذا كان سيكون مجرد رمضان آخر؛ مجرد ضيف آخر يزورك كل سنة مرة، ويمكث شهراً ثم يمضي دون أن يترك أثراً، فلا تفتح له.
إذا كان سيكون شهراً آخر تجوع وتعطش فيه قليلاً، ثم تتخم وتمتلئ فيه بطنك كثيراً، فمن الآن أقول لك: لا تفتح الأبواب.
إذا كان سيكون شهراً آخر تستقبله وأنت تشترط عليه ألا يشترط عليك، تستقبله وأنت تقرر أن لا عهود ومواثيق دائمية معه، فلا تفتح الأبواب.
إذا كان سيكون مجرد شهر قمري آخر، يبتدئ برؤية الهلال وينتهي برؤيته أو عدم رؤيته!
فأقول لك: لا تتعب نفسك ولا تكلفها.. ولا تفتح الباب.
أقول لك: رمضان على الأبواب، يكاد يطرقها – فأطرق برأسك، وفكر، قبل أن تفتح الباب أو لا تفتحه.
**
ولأن القضية خاسرة، إذا إنه سيتسلل في كل الأحوال من الثقوب والمسامات وفتحات الشبابيك، وربما من مواسير الماء، فإني أقترح عليك اقتراحاً آخر.
افتح له، ولكن ليس بالضرور الأبواب
في كل مرة كنت تستقبله فيها، كأي ضيف آخر، كنت تفتح له الباب.
أقول لك: ما دام الأمر سيان، فلا داعي، إنه سيدخل ويتجاوز الأبواب في كل الأحوال، ولن يبالي إذا وجدها مغلقة بإحكام أو مشرعة مفتوحة على مصاريعها.
ولن يعاتبك على أصول (الاتيكيت).
إنه لا يريد منك أن تفرش له السجاد الأحمر، أو تضيء له الأنوار الساطعة في الخارج.
إنه سيدخل في كل الأحوال.
فافتح له فتحاً مختلفاً هذه المرة.
وليكن فتحاً مبيناً.
***
في كل مرة يستعد الناس لاستقباله يفكرون أول ما يفكرون في بطونهم، وموائد الطعام والولائم التي ستمتد فيه، إفطاراً وسحوراً.
والاستعداد الأول –المعروف جداً- والذي يبدأ قبل دخول الشهر بفترة، هو التسوق لاحتياجات المطبخ الذي يؤدي عادة إلى ارتفاع الأسعار.
لا أريد الخوض في هذا الموضوع رغم أنه منزلق شديد الإغراء، لكن أليس ذلك ما يحدث عادة، ألا يفتح الناس جيوبهم ومحافظهم لرمضان أول ما يفعلون.
أليس الشهر مناسبة لاستهلاك – أو على الأقل إعداد – أكبر كمية ممكنة من أنواع الطعام؟
الوعاظ والخطباء الذين يتحدثون عن الصيام باعتباره ليس جوعاً فحسب، يثيرون استغرابي استفزازي. لا جوع في رمضان، خصوصاً في سنوات كهذه.
الناس لم تعد تجوع في رمضان، إنهم يمتنعون قليلاً عن الطعام، في عملية تكاد تكون أشبه بتحفيز واستثارة لهم لهجوم كاسح لاحق على الطعام في موعد الإفطار.
لذلك، لا جوع حقيقياً في رمضان. الناس تشتهي الطعام طوال فترة الصوم، ثم تهجم لتلتهم عندما يحين موعد الإفطار.
بعد ذلك الهجوم الكاسح، والملحمة الهائلة، يستلقي الناس وقد فقدوا قدرتهم على الحراك، وبطونهم تقرقر من هل الاقتحام الذي حصل.. لقد هدهم الشبع أكثر بكثير مما آذاهم الجوع.
المنزلق شديد الإغراء كما ترى، لكني لا أريد أن أنزلق إلى دون هذا المستوى.
رغم أن فيه طبقات أدنى وأدنى..
***
الناس كما تفتح لرمضان أبوابها..
أول ما تفتح جيوبها ومحافظها، وأحياناً خزائنها.
وهذا معلوم، لا شيء يمكن أن يهز تقاليد الطعام العتيدة في هذا الشهر..
ثم إنها تفتح أشداقها وأفواهها. وهذا مفهوم طبعاً.
ثم إنها وبعد ذلك تفتح أعينها، على اتساعها، في اجترار ما تبثه القنوات من مسلسلات وبرامج وتسال رمضانية، ويحدث ذلك في أثناء عملية فتح للأفواه أخرى تشمل طحن المكسرات التي تزدهر في رمضان.
**
كما ترى الناس يفتحون لرمضان فتوحات مختلفة..
لكني أتحدث عن فتح آخر، عن فتح كبير ومبين.
يا صديق..
في قلبك مغارات ومغارات.
وفيه أيضاً كهوف مغلقة، وأرض مجهولة وبقاع سرية.
في قلبك أماكن لا يعرفها أحد، ولا أنت، بل أنت ذاتك لا تعرفها.
وفيه كواكب ومجرات لم تطأها قدم إنسان.. وفيه غرف سرية لا يعرف مدخلها أحد..
وفيه صحارى وغابات عذراء، وفيه قارات مجهولة غاطسة تحت قاع البحر، وفيه كواكب ونجوم لم يرصدها (تلسكوب) بعد، ومجرات لا تزال تتوالد، وتتراكض في كون متمدد باستمرار..
وفيه أهم من ذلك كله، وقبل ذلك كله، أنت: حفنة من هموم ومشاكل، عقد ومخاوف، هواجس وذكريات..
ماضٍ مليء بالمتاعب، ومستقبل ملبد بالغيوم.
وفيه أيضاً الكثير من الدخان؛ دخان السجائر التي ينفثها قلبك باستمرار، حتى صار يبدو مثل محرك معطوب..
وفي قبلك قفل، وعلى القفل متراس ومزلاج..
وعليه أيضاً بيت عنكبوت، وعش حمامة..
لم يقترب من القفل أحد.
وأقول لك، افتح لرمضان قلبك.
اترك عمليات الفتح التقليدية الأخرى، وهذا (الرمضان) افعل شيئاً استثنائياً وافتح قلبك لرمضان.
دعك من فتح الجيب والفم والعين.
أقول لك افتح قلبك لرمضان. التفاصيل الباقية غير مهمة..
انظر مد يديك نحو القفل، دع هلاله يكون المنجل الذي يمزق بيت العنكبوت، لا بأس إن طارب الحمامة وارتعبت.
ارفع بيدك المزلاج الضخك – سيصدر صريراً مرعباً – وربما يكون ثقيلاً قليلاً، اجمع قواك واستجمع أعصابك وارفعه..
ومد يدك نحو القفل وافتحه..
دع رمضان يدخل.
***
رغم أنك تصوم من قرون، دعه يكون رمضانك الأول.
**
رمضان يستطيع أن يجعلك تشعر بأنك من النخبة..
رمضان يستطيع أن يجعلك تحس بأنك من الصفوة العليا، من تلك الطبقة الأعلى في المجتمع..
مجتمع النخبة..
رمضان سيجعلك تنتمي لهؤلاء الأفراد المحظوظين..
للصفوة..
**
لا.
ليسوا المشاهير على صفحات المجتمتع في المجلات.
ليسوا أفراد الجت ست؛ أولئك الذي يشتون في ماريبا ويصيفون في الكوت دازور ويتسوقون من باريس ويكدسون الأموال في جنيف.
لا!
ليسوا أولئك الذي يختارون ألوان سياراتهم لتنسجم مع ملابسهم، وينفقون على دعوة غداء ما يكفي لإطعام قبيلة من الجياع لمدة سنة، ويغيرون عشيقاتهم وعشاقهم بأسرع مما يغيرون أحذيتهم.
لا!
ليسوا أولئك المساكين، الوحيدين رغم الزحام حولهم،
عن آخرين لديهم نور ساطع يمشي معهم.. عن نور تام معهم يوم الظلمة التامة.
عن بريق آخر غير بريق (الفلاشات) المتلاحقة المتوترة؛ بريق آخر يبزغ في العيون، بريق يتراوح بين الانتعاش والطمأنينة، ويجمع بين اللذة والراحة.
لا! ليسوا على صفحات المجلات ولا على أغلفتها..

لن تتابع أخبارهم وصورهم وسائل الإعلام..
لكنهم النخبة – الصفوة..
إنهم أولئك الذي يحب الله أن يوقظهم كل فجر، ليذهبوا إليه..
***
تخيل فقط!.
من بين مليارات البشر، هناك فئة معينة – محدودة جداً للأسف في الوقت الحاضر – يحب الله إيقاظها فجر كل يوم، لتذهب إليه وتصلي له. في موعد سري يكاد يكون مثل مواعيد العشاق الليلية..
كما يذهب العشاق سراً إلى مواعيده، يتسلل هؤلاء أيضاً بهدوء، يمشون في ظلمات ستشهد لهم فيما بعد، ونورهم يسعى بين أيديهم، ويذهبون إليه في رحلة قد تكون بعيدة.
من بين الملايين من الذين قد يكونون في تلك اللحظة ثملين، مخمورين..
ومن بين الملايين الذين قد يكونون في تلك اللحظة غارقين في شهوة ما..
ومن بين الملايين من الذين قد يكونون غاطين في سبات عميق، في غفلة عميقة؛ هي جوهر حياتهم كلها..
من بين كل هؤلاءن يختار الله فئة معينة محدودة – لا أستطيع أن أجزم بنسبتها، فلنكن متفائلين عندما نقول: 1%- يوقظهم الله من نومهم..
وإليه يذهبون.
طبقة الـ1% تلك، هي النخبة حقاً
ورمضان يستطيع أن يجرك إليها..
***
وهؤلاء يكونون مشهورين جداً شهرة عظيمة وفائقة، أكثر بكثير من أولئك الآخرين الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا.
إنهم مشهورون جداً، ولكن بشكل مختلف.
إنهم مشهورون بين الملائكة، بين الأنبياء، وبين الصديقين.
إنهم معروفون جداً في السماوات السبع، ليس هناك من لا يعرفهم فيها. حتى جبريل! أمين الوحي والرسالة يعرفهم..
أخبارهم هناك منتشرة، والكل يتابعها ويتتبعها. وإذا ما تغيب أحدهم عن الذهاب إلى صلاة الفجر، فالكل يسأل عنه باهتمام، وإذا ماتكرر الغياب فسيعم القلق الحقيقي والصادق.
وإذا حصل وانقطع أحدهم تماماً فإن الملائكة هناك ستحزن، وربما ستعلن الحداد في السماوات السبع، وسيعامل الموضوع كما لو كان قصة حب حزينة انتهت بالفراق، فكيف يستطيع حقاً أن ينقطع عنها من جربها، وكيف يستطيع أن يمتنع عن الذهاب من يوقظه الله..؟
وكيف يترك النخبة – طبقة الصفوة المنتقاة – من انتمى إليها، وعرف ملذاتها، وذاق بريقها وتنعم بنعيمها..؟
وهم فوق تلك الشهرة، أثرياء جداً؛ كما يليق بطبقة الـ1%
ربما ملابسهم ليست من (ديور)، وربما يذهبون مشياً على الأقدام إلى المساجد، وربما لا يكادون يدبرون أمور معيشتهم، لكنهم أثرياء جداً، وثراؤهم لا تكفيه المصارف السويسرية ولا حساباتها السرية. ولا خزائنها الواسبعة، و لا أقبيتها المدرعة المخصصة للمجوهرات النادرة..
ربما لا يبدو عليهم – وبعض أثرى الأثرياء لا يبدو عليه – لكن عندما تحق الحقيقة فإن الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا سيكونون مفلسين يوم القيامة، وستراهم يتسولون حسنة من هنا وحسنة من هناك..
أما نخبتنا الأخرى، فستراهم وهم يرفلون بالعز والرفاه، وفي تلك الظلمة سيتخبط بها البشر في ذلك اليوم الرهيب، سيتلقى أولئك الذين مشوا إليه في الظلمات ما وعدوا به: النور التام يوم القيامة..
إنهم تلك النخبة سعيدة الحظ؛ أولئك الذين يحب الله سبحانه وتعالى إيقاظهم..
**
نعم إنه هو الذي يوقظهم.
لا تصدق الساعات المنبهة الموقوته على صلاة الفجر.. إنها موجودة فقط من أجل الأخذ بالأسباب، موجودة فقط من أجل طمأنينة القلب..
ولا تصدق أنه التعود. ومن عودهم أصلاً على ذلك إن لم يكن هو..؟
وإذا قالوا الهرمونات والغدد والأطوار الدماغية، فليكن ذلك، إنه الله وطرقه المعجزة الغامضة.
إنه هو الذي يوقظهم. عرف دواخلهم فأكرمهم.
نظر في قلوبهم ورآها تستحق أن تكون من تلك النخبة التي تذهب إليه في ذلك الموعد الليلي المتأخر؛ موعد الحب الحقيقي.
علم أن عيونهم قد تنام، أما قلوبهم فلا، تظل ساهرة وتنتظر الإشارة منه، وبينما تروح أعضاؤهم الأخرى في راحتها الفسيولوجية، فإن قلوبهم تمضي قدما وتبقى على اتصال دائم به..
وعندما تأتي الإشارة منه عز وجل، يتحرك القلب وينقر على الرأس نقرته الموقظة الممميزة.. ليوقظ الأعضاء
نعم، يحدث ذلكن بل إنه كثيراً ما يحدث، ويميز أولئك المنتخبون ذلك، أحياناً – لسبب أو لآخر- لا تدق الساعة، أحياناً لا تكون أصلاً منصوبة، وأحياناً يكونون مرهقين جداً فينسون توقيتها، وأحياناً لا تكون هناك ساعة، وكل شيء يبدو كما لو أن الصلاة ستفوت..
وتكاد تفوت فعلاً، لكن عيونهم تنام، أما قلوبهم فلا…
وفجأة تأتي تلك النقرة الخفيفة على قاع الروح. تلك الضربة الموقظة الغامضة، فيهبون من نومهم مذعورين. يكاد أحلى موعد أن يفوتهم، ويهرولون في الظلمة متعثرين ببقايا نومهم وبملابسهم وبوضوئهم، ويلحقون الموعد في اللحظة الفاصلة قبل أن يفوتهم..
ليس هذا نادر الحدوث، على العكس، وكما قلت: إنه كثيرا ما يحدث.
لقد نظر إلى قلوبهم فعلم ما في داخلها، وأيقظهم.. هو الذي أيقظهم.. فهبوا ولبوا وهرولوا.
**
وإذا حدث أنهم لم يستيقظوا، فلن تتخيل الأسى والكآبة التي سيواجهون بها بقية يومهم..
شيء مرير، كالعلقم سيظل طعمه معلقاً في أفواههم.
شيء أكبر من الندم، أقوى من الحسرة، سيظل هناك في لا وعيهم، يعذبهم بطريقة شريرة، كلما صادفهم عارض أو مشكلة، هزوا رؤوسهم مع أنفسهم، وقالوا: نعم، لقد أخلفنا الموعد..
لا شيء سيعوض ذلك إلا الموعد التالي.
إنها وجبتهم الأساسية، لا غنى لهم عنها…..
…..
فلا تقل أبداً – ولا يقل أحد ولا أقل أنا – إنك كنت متعباً جداً فلم تستيقظ
لو كنت جاداً ، لأتعبك جداً ألا تستيقظ.
لو كنت جاداً، لنامت عيناك وبقية أعضائك، لكن قلبك سيظل ساهراً ينتظر
أقول لك، ونفسي أحق أن أقول لها: لو كنا جادين، لأيقظتنا تلك اللمسة الغامضة التي نعرف مصدرها، تلك النقرة الخفيفة – كالصداع – التي تنقر على الرأس، تلك الضربة الخفية التي تقرع قاع الروح.
لو كنا جادين، لأيقظنا، هو الذي يعلم دواخلنا، وينظر في قلوبنا.
لو كنا جادين، لأبقانا في تلك الطبقة – النخبة- التي يختارها ليوقظها ولتكون هناك في ذلك الموعد
ولو كنا جادين، لأتعبنا جداً أن ننزلق عن ذلك الاختيار..
**
ورمضان يجر الناس جراً ليكونوا من تلك النخبة…
ليجربوا لذة ذلك الموعد وأسراره، وليسطع عليهم ذلك النور التام من المشي في الظلمات
مثلاً هناك فقرة السحور والترغيب بتأخيره، الأمر الذي يعني أن توقيت الطعام سيكون متاخماً جداً لتوقيت الصلاة
وهو أمر سيجعل النوم المباشر صعباً بعض الشيء؛ مع ثقل الطعام وشهوات التجشؤ.
ورهبة الفجر والظلمة مكسورة في رمضان.
فلماذا إذن لا تصلي في الجامع؟
ويذهبون!
وبدلاً من أن يذهبوا إليه ولو حبواً، فإنه يكاد يأتي إليهم حبواً.
إنه الطعم في الصنارة
الطعم الذي قد يصير فيما بعد وجبتهم الأساسية.
***
السؤال الحزين نفسه.
والجواب المعقد نفسه..
والقرآن
أقول لك منذ الآن، لا تتعامل معه كالمرابي اليهودي، لا تقف منذ أول يوم في رمضان وتقول: جزء كل يوم، والختمة المعتادة نهاية الشهرة.




قال حبيبكم عليه الصلاة والسلام:"اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق