“الناس عاطفيون، من أجل إقناعهم فقط قم بمخاطبة عواطفهم، لكن أظهر لهم ذلك في قالب من المنطق لأنهم ليسوا أطفالا صغارا أو أغبياء.”
أولا، هناك مسألة يجب أن نتفق عليها لأن الغالبية من الناس تؤمن بها، الإقناع لا يكون بالقوة أو باستعمال أساليب الترهيب و التخويف، و حتى لو انصاع الشخص الممارس في حقه العنف فإن هذا لا يعني أبدا أنه قد اقتنع. الإقناع يكون بواسطة تقنيات يجب تعلمها و التدرب على استخدامها و ليس بالعنف سواء اللفظي أو المعنوي.
ثانيا، الحياة أحيانا لا تكون سهلة بالدرجة التي نتصورها، فقد تستلزم منا القيام بمجهودات كبيرة من أجل إقناع شخص أو مؤسسة أو جمهور لتحقيق منفعة مادية أو معنوية.
كيف يكون هذا الإقناع إذن؟
بواسطة تقنيات يتعين علينا تعلمها و إجادة استعمالها
هل هذه التقنيات محصورة في عدد معين؟
هناك بطبيعة الحال تقنيات معينة عادة ما يشير إليها الخبراء و التي سنتطرق لأهمها هنا، و هناك أيضا تقنيات أخرى كثيرة جدا يتم استعمالها من طرف المختصين في هذا المجال .
المهم هو أننا لن نطيل على القارئ الكريم لنعرض له بعض قوانين الإقناع المهمة، و سنبدأ بأولها الذي هو:
1- قانون الندرة
قانون الندرة يفيد أن الإنسان عندما يشعر أن شيئا ما متوفر بكمية قليلة و عما قريب سيصبح نادرا أو مستحيل الحصول عليه، يقتنع بضرورة اقتنائه، لأنه يعتقد أنه إن لم يفعل ذلك في الحال فسيقوم آخرون باستنفاذه، هذا ما يتصوره الناس.
مثال: عندما أكون متوجها لقضاء غرض ما، أمر كعادتي على لوحة إشهارية في مركز المدينة، تلك اللوحة أصبحت مخصصة لإشهار منتجات ماكدونالدز بطبيعة الحال، المهم أنه غالبا عند وضع إشهار لمنتج من المنتجات، يضعون بجانبه أو أسفل منه بطريقة جذابة عبارة: “المنتج متوفر بكمية محدودة”، فهل المنتج متوفر بكمية محدودة فعلا؟!
أظن أن الإجابة واضحة، لكن استعمال قانون الندرة غالبا ما يتم بهذه الطريقة في عالم التسويق لإقناع أكبر عدد من الناس بضرورة المسارعة لشراء المنتج، موهمين إياهم أنه سينفذ.
أنت أيضا بإمكانك أن تصبح نادرا و تجعل الناس يقتنعون بأهميتك، فقط اكتسب مهارات، قيما، أخلاقا، وعادات جديدة، أو تعلم أشياء لا يتوفر عليها من حولك.
2- قانون التبادل
أحيانا تصير مدينا لشخص ما أو جهة معينة بجميل تم إسداءه لك، و عندما يطلب منك ذلك الشخص تقديم خدمة معينة تجد من الصعب مواجهته بالرفض، عكس أي شخص آخر لم يقدم لك أي معروف. فقانون التبادل يعتمد على تقديم أو تلقي قيمة معينة مقابلة لقيمة أخرى.
مثال: خلال المسابقات التي تبث على شاشة التلفاز، يطلب من المشاهد التصويت عبر رسالة هاتفية لفلان أو علان، لو افترضنا أنك قمت بالتصويت و فاز ذلك الشخص، قد يدفعك هذا للقول: “هو سيفوز و أنا في ماذا يعنيني هذا؟”، لهذا قاموا بتعديل بسيط على المسابقة فأصبحوا يقترحون التصويت لأشخاص معينين، أنت تختار من بينهم، و بعدها يقولون: ”و شارك في سحب القرعة الذي سيجرى في الأخير للفوز بجوائز مهمة” فتقتنع بضرورة أداء ثمن الرسالة الهاتفية.
3- قانون الربط
يعتمد هذا القانون على ربط شيء ما بشيء آخر أو شخص معين يثق فيه الناس و يرون فيه القدوة، أو أن تبحث في نفسك عن اهتمامات مشتركة مع الطرف الآخر تجعله يشعر أن هناك شيئا مشتركا بينكما يدعوه للتعامل معك و منحك ثقته.
مثال1: غالبا في الإعلانات الإشهارية ما يقوم أصحابها عند تقديم منتج جديد بإظهاره عن طريق شخصية مشهورة و معروفة بين الناس، فيتم ربط المنتج بتلك الشخصية التي غالبا ما يكون لديها أتباع و معجبون كثر يحبونها و مستعدون لمنحها ثقتهم.
مثال2: في ولاية من الولايات الأمريكية يعلمون عملائهم البحث عن أوجه التشابه بين العميل التجاري و الزبون، و لو لم يوجد أي تشابه فإن العميل التجاري يسعى جاهدا لإيهام الطرف الآخر بوجوده، كأن يسأله مثلا عن فريقه الكروي المفضل، و عندما يخبره يقوم بإظهار الإعجاب بذلك الفريق و أنه فريقه المفضل هو أيضا.
4- قانون المقارنة
عندما يكون هناك شخصان أو شيئان مختلفان فإننا نميل إلى رؤيتهما أكثر اختلافا و بطريقة أوضح إذا ما كانا في نفس المكان.
مثال: ذهب أحد الأشخاص إلى متجر بيع أجهزة إلكترونية، اشترى حاسوبا محمولا ثمنه 1000 دولار و فور الإنتهاء عرض عليه أحد العملاء خدمة بقيمة 150 دولارا فوافق بدون تردد. في الأخير يشعر المشتري أن القيمة النقدية للمنتج الثاني أقل بكثير من القيمة النقدية للمنتج الأول مما يجعله يلاحظ الفرق الشاسع بينهما و يتقبل المنتج الثاني لا شعوريا على أنه منتج بثمن مناسب.
5- قانون التوقع
يقول هذا القانون أن ما نتوقع حدوثه يصبح سببا للإتجاه نحو ما نتوقعه. إذا توقع منك شخص تحترمه و تقدره جيدا أن تحقق نتيجة معينة فإنك بالفعل تسعى جاهدا لتحقيق تلك النتيجة.
مثال: أثناء حرب الخليج الأولى، كانت جهات معينة تتوقع أن صدام سيقذف الصهاينة بأسلحة الدمار الشامل، المهم في المسألة أن الإقبال على الأقنعة الواقية كان كبيرا مما سبب في أرباح هائلة للشركات المصنعة، و في الأخير ثبت أن صدام حسين لم يكن يتوفر على أية أسلحة دمار شامل.
6- قانون القوة
كل شخص يتقبله الناس على أن لديه: خبرة، مهارة، كفاءة أو سلطة علمية تفوقهم، يميلون في الغالب إلى تصديقه و تقبل أفكاره.
مثال1: هناك بعض الكتاب عندما يصدرون كتابا يضعون مثلا على الغلاف لفظة “الكاتب فلان صاحب الكتاب الفلاني الذي بيعت منه 10 ملايين نسخة”.
مثال2: هناك بعض الدكاترة المشهورين ممن يصير ابنه دكتورا و يقرر أن يفتح عيادة، يقوم بكتابة عبارة “ابن الدكتور فلان” على اليافطة لأن الناس يعرفون أباه و يشهدون له بالكفاءة فيحاول بالتالي استمداد القوة من شهرة أبيه لإقناع الناس.
7- قانون التطابق
هذا القانون يفيد بأن الإنسان يصير أكثر قابلية للإقتناع و تقبل الأشياء التي يتقبلها و يقتنع بها الأغلبية من الناس في مجموعة من المجموعات أو مجتمع من المجتمعات.
مثال: طلب المدير التنفيذي لإحدى الشركات من العاملين رفع أيديهم لمعرفة مدى تقبلهم للفكرة الجديدة، قام حوالي 85 بالمائة من العاملين برفع أيديهم، أحد الأشخاص من بين الحضور كان رافعا يده أيضا لكن ليس لأنه يأيد الفكرة بل لإيمانه بضرورة تواجده مع الأغلبية.
إن البشر ليسوا آلات توجه لها أوامر أو نتحكم فيها عن طريق آلات تحكم، إنهم يتوفرون على عقول و أحاسيس تمكنهم من الفهم الجيد للأشياء، فلا تتعامل معهم على عكس ذلك كي لا تصدم عند وقوع عكس ما تتوقعه، و لا تستهن بقدراتهم و طاقاتهم اللامحدودة. إن قوانين الإقناع ما هي إلا أدوات تمكنك من فهم كيفية اقتناع الناس في مواضع و حالات معينة.
نصيحتي لك في الأخير هي التمرس الجيد على هذه القوانين و إجادة استخدامهما مجتمعة و غير منفصلة عن بعضها إن استدعى الأمر استعمالها مجتمعة. هناك قوانين أخرى كثيرة، لذا أدعوك إلى البحث عنها و إثراء معلوماتك في هذا الفن الرائع لتصبح مقنعا جيدا لكل الناس، و إني أتوقع أنك ستصبح كذلك بالفعل. تمنياتي لك بالتوفيق و النجاح، و اسمح لي أن أقول لك شكرا على الدقائق التي خصصتها لقراءة هذا الموضوع، تحية طيبة و إلى اللقاء في موضوع قادم إن شاء الله.
من أجل التواصل لا تتردد في زيارة صفحتنا على الفيسبوك.
~بدر الوزاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق