الحديث الذي معنا اليوم يحتوي ألفاظا
صعبة ربما جعلت معظمنا ينأى عن معرفته أو تناوله، ولكن الحديث به فوائد
عظيمة، ويضرب قصة رائعة غاية في التبسيط وغاية في الخطورة كذلك.. وسنحاول
معا تبسيط معناه لنستقي الحكمة التي فيه.. يقول نص الحديث:
عن النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى
حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا (أجروا
قرعة) عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ
أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ
الْمَاءِ (طلبوا الماء)، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ
أَنَّا خَرَقْنَا (ثقبنا) فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ
فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً،
وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا" [رواه
البخاري].
هذا الحديث يضرب فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلا رائعا لحال
الناس وموقفهم مما يكون في المجتمع من منكرات وسلبيات، ويشبه ذلك بحال قوم
ركبوا سفينة، واقتسموا أماكنهم فيها بطريق القرعة، فكان من نصيب بعضهم
الجزء الأعلى من السفينة، وكان من نصيب الآخرين الجزء الأسفل منها.
وكان أهل الجزء الأسفل إذا أرادوا ماء يصعدون إلى أعلى السفينة لجلب الماء
من البحر؛ لأنهم في قاع السفينة، وكانوا إذا صعدوا أصابهم حرج من إيذاء
من فوقهم؛ فربما ضايقهم رذاذ الماء أو جاءوهم وهم نائمون أو غير ذلك...
فرأوا أن يريحوا من فوقهم من موضوع الماء بأن يثقبوا السفينة، ليحصلوا على
الماء دون الحاجة إلى إيذاء من فوقهم، ولم يدرِ هؤلاء أن هذا الخرق
الصغير سيؤدي إلى هلاك الجميع.
في هذه الحالة سيكون تصرف سكان أعلى السفينة أحد أمرين: أن يتركوا الآخرين
يثقبون السفينة ويقولون "هم في ملكهم ولا شأن لنا"، ووقتها كانت السفينة
ستغرق بمن في الأعلى ومن في الأسفل، وإذا أخذوا على أيديهم أي منعوهم مما
يريدون ولم يتجاهلوا ذلك، سينجو الجميع من الغرق..
المستفاد من هذه القصة النبوية أنه هكذا تكون أحوال الناس في المجتمع، فلا
يخلو مجتمع من بعض صور المنكر والفساد التي يقدم عليها ضعاف الإيمان، وقد
يلتمس بعضهم لنفسه مبرراً في ما يفعل؛ كأن يقول: هذه حرية شخصية، وأنا حر
أصنع في ملكي ما أشاء، فإن قام أهل الرشد ومن هم معهم في سفينة المجتمع
الواحد بواجبهم في إنكار هذه المنكرات والأخذ على أيدي الظالمين صلح
المجتمع ونجا الجميع من غضب الله عز وجل..
وأما إن تقاعسوا عن هذا الواجب وغلبت السلبية وكلمة النفاق وعلا شعار
"وأنا ما لي"، فإن العقوبة الإلهية ستعمّ الجميع، وهذه سنة إلهية لا
تتغير، كما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا
الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب". وكقوله حين سألته
السيدة عائشة رضي الله عنها: "يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:
نعم إذا كثر الخبث"..
فيجب علينا جميعا ألا نكون سلبيين وألا نتجاهل ما يحدث حولنا، بل نعرف أن
المصلحة للجميع وأن المفسدة لا تلحق صاحبها وحده، فلندع إلى الخير ولنأمر
بالمعروف ولننه عن المنكر، ولنطفئ النار التي إن اشتعلت فستحرقنا فيما
ستحرق.. جنبنا الله كل سوء آمين.
حكمه في حديث (قبل ان تغرق السفينه)