النشالون فئة انتهازية من البشر ,
يبحثون عن الغنائم ليسرقوها في خفة ومهارة عجيبتين، ونراهم ينشطون في
أوائل الشهور وقت تسلم الرواتب والمعاشات وفي المواسم والأعياد، يراقبون
الفرائس الساذجة الذاهلة عن أموالها، وللنشالين قوانين خاصة بهم فلكل جماعة
منهم منطقة خاصة ينشلون فيها، ولهم كبيرهم ومعلمهم الأكبر الذي يوزع
المهام على صبيانه ويحكم بينهم ويحاسبهم، ويفصل في المنازعات بين النشالين
في المناطق المختلفة مع رؤساء المناطق. وتراهم يقفزون من الحافلات
والقطارات في خفة ومهارة عجيبتين، ولهم لغة خاصة بهم، ويدافعون عن أنفسهم
بالأمواس الحادة التي يضعونها تحت ألسنتهم والمُدى (السكاكين الحادة) التي
يخفونها في ملابسهم ,وكم من مآس وقعت للموظفين والتجار بسببهم!
وأنا أعرف تاجرا
كبيرا في بلدتنا عندما يريد الذهاب إلى السوق للتبضع يلبس ملابس بالية،
ويضع الأموال في خرقة من الخيش ويتقمص شخصية الشحاذ حتى لا ينشله النشالون،
والبعض يضع نقوده في أرغفة الخبز تمويها على النشالين، وكنا ونحن في
الجامعة نخيط النقود داخل الملابس بطريقة يعصي على النشال تعرفها
ونشلها.
هؤلاء النشالون القافزون بين الحافلات والقطارات ينشلون الأموال، ولكن هناك مجموعة من النشالين أخطر من هؤلاء، إنهم ينشلون الدين والمعتقدات والثقافة،
ولهم تنظيمات خاصة بهم، وظلوا يعملون سنوات طويلة على نشل الإيمان من
النفوس والعقول، وعندما احترق قطار الشيوعية قفزوا منه إلى قطار الرأسمالية
والعَلمانية (بفتح العين) والليبرالية، وظلوا يتنقلون من قطار إلى قطار
يفترسون الشباب والضائعين اجتماعيا وعلميا ونفسياً. وقد مولتهم مراكزهم
الرئيسة في روسيا وبلاد الغرب وأمريكا، وكثيرا ما يطلبونهم في بعثات
تعليمية لتدريبهم على التمويه الفكري والخداع الثقافي والإرجاف العقدي.
ظلوا سنوات طويلة يبشروننا بالاشتراكية والحتمية التاريخية لسيادتها،
وفجأة اندلعت الحرائق في جميع قطارات الاشتراكية الشيوعية فقفزوا قفزة
واحدة إلى قطار الرأسمالية وهم الآن يستعدون للقفز إلى قطار الطائفية
والفتن المذهبية والدينية لأنهم وجدوا في هذا القطار العديد من السذج الذين
خدرهم المنتفعون من شيوخ الدين، لذلك نراهم يدافعون عن الطائفية والمذهبية
ويقودون الشباب المغرر بهم نحو التخريب والتدمير لصالحهم تماما كما كانوا
يفعلون أيام المد الشيوعي حيث يقودون المظاهرات لمسافة قصيرة، ثم يشعلون
الحرائق ويهربون من المظاهرات إلى الشوارع الجانبية، فتأتي الشرطة لتلقي
القبض على المغرر بهم والسذج والمخدرين والمتهورين من الشباب والمواطنين
الجاهلين.
وعندما جاءت جمعيات حقوق الإنسان الغربية
فجأة قفزوا إليها واستفادوا من أموالها السائبة وبدلا من الدفاع عن حقوق
المظلومين نراهم يدافعون عن الطائفيين والمخربين والسذج والمجرمين.
وعندما أنشئت الفضائيات قفزوا إلى أستديوهاتها وأخذوا يبثون سمومهم عبرها
فتراهم الآن يشككون في القرآن ويفسرونه على أهوائهم ويكذبون الأحاديث
الصحيحة التي لا تتوافق مع عقولهم العَلمانية (بفتح العين) والشيوعية، وقد
غاظهم عودة الشباب المسلم إلى دينهم وعودة المرأة المسلمة إلى لباسها
الشرعي الذي لا يكشف ولا يشف ولا يجسد أو يسبب فتنة للرجال في الشوارع
والمدارس والجامعات وأماكن العمل.
ومما أغاظهم عودة الاقتصاد الإسلامي بقوة وقد ثبتت صلاحيته في الأزمة المالية العالمية مؤخراً .
لقد اشتد غيظهم
عندما دخل المعركة ضدهم أساتذة العلوم الكونية والطب والهندسة وتفجرت
الآيات الكونية في القرآن الكريم بإشاراتها العلمية المعجزة، وعاد العناق
بين الدين والعلم الكوني، لذلك نراهم الآن يشددون النكير على التفسير
العلمي للإشارات العلمية في الآيات القرآنية بضوابطها العلمية والشرعية،
ومن سوء حظهم أنهم قفزوا إلى قطار المتدينين العلميين فوجدوهم صنفا مغايرا
للدارسين للعلوم الشرعية فقط والغائبين عن العلوم الكونية الذين تعودوا
الاستهزاء بهم في مسلسلاتهم وأفلامهم وكتبهم وقصصهم.
وجدوا العِلميين أكثر علما ووعيا وإدراكا وفهما للدين
وقد وضعوا العقيدة في قلوبهم وسلوكهم وجعلوها عصية على النشل من قبل عصابة
القافزين بين القطارات، أصحاب الغاية تبرر الوسيلة، ونظرية العشوائية
والمصادفة وإنكار الجنة والنار والحساب يوم القيامة، وجدوهم يعمرون الكون
بنواميس الله في الخلق ويتفوقون عليهم في الجامعات والدراسات العليا ومراكز
البحوث العلمية فبذلوا جهوداً جبارة لنشلهم وتعريتهم ولكن هيهات هيهات أن
ينالوا من عقيدتهم لأنها في قلوبهم وفي سلوكهم وفي أعينهم وعقولهم.
لقد أحرق
العِلميون كل معتقدات العَلمانيين (بفتح العين) وفندوا شبههم الزائفة
وألقوا بالعلم الصحيح النافع على خداعهم وسحرهم الذي خيل للجماهير من سحرهم
صحته إلى أن شاء الله أن يفضحهم ويبطل خداعهم.
إنهم يحاولون
الآن ركوب قطار الدين باسم النقد الأدبي والدراسات العلمية وإعمال العقل
في الآيات القرآنية ولكنهم وجدوا أنفسهم مؤخرا عراة في الطريق وقد داستهم
كل القطارات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق