بقلم الأستاذ هشام طلبة
الباحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا
بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا
تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا
لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ
لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا
بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ
مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا
فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى
وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ البقرة: 67 – 73 ].
هذه القصة القرآنية القصيرة جدًّا لها خمس قرائن في خمسة كتب مختلفة من
كتب أهل الكتاب ( التلمود البابلي ، كتاب القدوسين – المشنا 1:2 PAR - التكوين 9:15 – العدد 1:19-10- التثنية 1:21 – 7 ).
الكتب الثلاثة الأخيرة موجودة في الكتاب المقدس ، وبقية الكتب كتب نادرة جدًّا وفي حكم المخفية.
·
تكلم سفر التكوين المشنا عن عمر هذه البقرة(1).
· تكلم سفر العدد والتلمود عن لون البقرة(2)
وقد روى التلمود قصة "داما" الذي رفض شراء مجوهرات بسعر زهيد ( لأن
مفاتيح ماله كانت تحت رأس أبيه النائم ؛ حتى لا يوقظه ) فكافأه الله بعجلة
حمراء في قطيعه.
لابد أن تكون هذه البقرة الصفراء لها مواصفات غير عادية ؛ لأنها مكافأة من
الله على عمل جليل. وهذا يتفق مع بعض الأحاديث النبوية التي روت أن بقرة "
داما " هذا هي صاحبة القصة وأنه قد باعها بأضعاف وزنها ذهبًا ، بذلك
كافأه الله على بره لوالده. لكن الحق أن هذه الأحاديث لا ترقى للصحة.
وقد قال الله في نهاية القصة: { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } ؛ فمن الممكن أن يكون المقصود أنهم ما كادوا يذبحونها لثمنها ، لكننا لا يمكن أن نجزم بذلك لذا لا نصدق ولا نكذب.
· أما رواية سفر العدد فتتكلم عن " ذبيحة خطيئة "
وقال الرب لموسى وهارون: هذه هي متطلبات الشريعة التي أمر بها: قل لنبي إسرائيل أن يأتوك ببقرة صفراء، سليمة ، خالية من كل عيب
، لم يعلها نير ، فتعطونها لأليعازر الكاهن ليأخذها إلى خارج المخيم
وتذبح أمامه ، ويغمس الكاهن إصبعه بدمها ويرش منه نحو وجه خيمة الاجتماع
سبع مرات !!! وتحرق البقرة بجلدها ولحمها ودمها وفرثها على مشهد منه ، ثم
يأخذ خشب أرز وزوفا ، وخيطًا أحمر ، ويطرحها في وسط النيران. ثم يغسل
الكاهن ثيابه ويستحم بماء ، وبعد ذلك يدخل المخيم ، ويظل الكاهن نجسًا حتى
المساء !!! ويجمع رجل طاهر دماء البقرة ويلقيها خارج المخيم في موضع ظاهر
، فيظل محفوظًا لجماعة إسرائيل لاستخدامه في ماء التطهير. إنها ذبيحة
خطيئة. وعلى من جمع رماد البقرة أن يغسل ثيابه ويظل نجسًا إلى المساء.. "
(سفر العدد 1:19 – 10).
مواضع الاتفاق بين هذه الرواية والرواية القرآنية ظاهر في أول الفقرة.. قل
لبني إسرائيل.. بقرة حمراء ( هذا قريب من الأصفر الفاقع ) – سليمة..
خالية من كل عيب.. تذبح أمامه. أما بقية الرواية فتختلف تمامًا ؛ فالقصة
القرآنية تتكلم عن بقرة تذبح ليضرب بجزء منها { بِبَعْضِهَا }
قتيل فيدل على قاتله المختلف فيه. أما سفر العدد فيتكلم عن ذبيحة خطيئة
لا معنى لها ، مع وجوب رش الدم سبع مرات وبقاء الكاهن نجسًا حتى المساء ،
كذلك من يجمع رماد البقرة التي تذبح بجلدها ولحمها ودمها وفرثها !! هذه
التفاصيل الأخيرة لا نجدها أبدًا في الرواية القرآنية.
* وأما رواية سفر التثنية فتتكلم عن ذبيحة القاتل المجهول: " إذا وجدتم
قتيلًا ملقى في الحقل في الأرض التي يهبها الرب إلهكم لكم لامتلاكها ، ولم
يعرف قاتله ، يقوم شيوخكم وقضاتكم بقياس المسافات الواقعة بين موضع جثة
القتيل والمدن والمجاورة ، فيحضر شيوخ أقرب مدينة إلى الجثة ، عجلة لم
يوضع عليها محراث ، ولم تجر بنير ، ويأخذونها إلى وادٍ فيه ماء دائم
الجريان لم يحرث فيه ولم يزرع ، فيكسرون عنق العجلة في الوادي. ثم يتقدم
الكهنة بنو لاوى ؛ لأن الرب إلهكم قد اختارهم لخدمته ، ولإعلان البركة
باسم الرب ، وللقضاء في كل خصومة وكل ضربة ، فيغسل جميع شيوخ تلك المدينة
القريبة من الجثة أيديهم فوق العجلة المكسورة العنق في الوادي. ويقولون:
أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تشهده.. " ( سفر التثنية 21: 1-7 ).
التشابه بين هذه الرواية والقصة القرآنية واضح ففي الحالتان قتيل لم يعرف قاتله ، وكذلك ذبح بقرة ( أو عجلة ) { لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ }
- وإن كانت بقية صفات تلك البقرة في القرآن نجدها في رواية سفر العدد - …
مع ذلك هذه الرواية تختلف مع الرواية القرآنية في أنها لا توضح لنا
العلاقة بين القتيل والبقرة !!.
على العكس من القصة القرآنية التي جعلته من ذبح البقرة سببًا لإحياء القتيل ليدل على قاتله.
** فهل
يعقل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم - كما يدعي أعداء الإسلام بقولهم
معلّم مجنون - قد اطلع على كل الروايات اليهودية المذكورة آنفًا . بل –
واستمرارا لهذه الفرضية المستحيلة – استنتج هذه القصة المشتتة تماما عند
اليهود في مصادر عديدة، بعد أن وجد عوامل مشتركة بينها !!.
ثم
لابد أن يكون صلى الله عليه وسلم قد استبعد التفاصيل غير المنطقية التي
تعج بها الروايات اليهودية وتخلو منها الفصة الفرآنية. بل وأضاف إليها
الإضافات اللازمة علاوة على عرضها بشكل بياني أو أنه فعل شيئًا غير ذلك
كله، أنه وجد أو اطلع على مخطوطة لم نجدها نحن حتى الآن ثم وضعها في
مكانها المناسب في القرآن الكريم حيث تعرض سيرة بني إسرائيل أيام موسى إن
هذا هو المستحيل بعينه، ولو كان هناك مستحيل واحد في التاريخ االبشري لكان
افتراض افتراء الفرآن هذا
هذا من هيمنة القرآن على كتب أهل الكتاب بشتى الصور من اطلاع على المخفي وكشفه إلى الفصل بين الكتب إلى تصحيح مقاصد القصص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق