إن العجز عن قراءة الحروف يدعى في علم اللغة باسم الأمية وهي ظاهرة لا علاقة لها بالجهل، فالقراءة قدرة ميكانيكية مكتسبة وليست نشاطا عقليا من أي نوع والعجز عن القراءة مجرد افتقار إلى قدرة ميكانيكية وليس افتقار إلى نشاط عقلي من أي نوع أيضا، إن القراءة كلام مدرب والفرق بين الشخص القادر على فهم الرموز مباشرة وبين الشخص الذي يحتاج إلى السماع مجرد فرق في الوسيلة وحدها، الجهل لا يفقد أظافره بمجرد أن يتعلم المرء كيف يلوي لسانه باللغة الفصحى، الجهل حالة عقلية خاصة لا يمكن استبدالها إلا بحالة عقلية أخرى، إن أعراض الجهل واحدة بالنسبة للفرد وبالنسبة لمجتمعه كلاهما عالم بذاته، كلاهما على صواب دائما، كلاهما أناني وجاهز الخطط وعارف بكل شيء، كلاهما يعتقد أنه يسير في طريق الخير والسعادة، والمشكلة بالضبط هي أن كل مخلوق يعتقد جازما أنه يعرف، وهذه طبيعة النكتة المريعة، فالجهل لا يملك سوى علاج واحد اسمه المعرفة، ولكن العارفين في أغلب الأحيان هم السادة الجهلاء، ونعرف الجاهل بخمس علامات تجارية مسجلة:
العلامة الأولى أنه يعرف الصواب عن كل شئ، والأشياء الصغيرة التي لا يعرف عنها الصواب يعلقها في عنق الغيب.
العلامة الثانية أنه يقف دائما عند محور الأرض والدنيا تدور حوله، كل شيء يتحرك بالنسبة له أو يقف بالنسبة له وحده، لأنه هو المركز الحقيقي، هو العالم كما ينبغي للعالم أن يكون، إن الجاهل لا يستطيع أن يتنازل عن كرسيه العاجي في مركز الكون دون أن يفقد جهله، إذ ذاك يرى الحقيقة ويرى نسبية الأشياء، وإذا قدر للأعمى أن يرى فإنه لابد أن يفقد عماه.
العلامة الثالثة أن الجاهل لا يبيع بضاعته بالمنطق بل بالشعر وحده، إنه لا يقنعك بفكرته بل يغريك بها، وإذا رفضت إغراءه يلجأ إلى تهديدك وإذا رفضت تهديده انقطعت علاقته بك عند هذا الحد.
العلامة الرابعة أن الجاهل مثل ساعة مليئة بالأوساخ تشير عقاربها عادة إلى منتصف الليل فيما يتناول الناس إفطارهم في الصباح.
العلامة الخامسة أن الجاهل رجل مريض وليس رجلا يتظاهر بالمرض.
بتصرف عن
الكاتب الليبي الراحل الصادق
النيهوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق