الثلاثاء، أكتوبر 4

مقابلٌ صوتي للثقوب السوداء

 

تسلك الموجات الصوتية المنتشرة في مائع سلوكَ الموجات
الضوئية المنتشرة في الفضاء. وحتى الثقوب السوداء لها ما
يقابلها صوتيا. أفلا يمكن للزمكان(1) space-time أن يكون نوعا
خاصا من الموائع مثل الأثير في فيزياء ما قبل آينشتاين؟
 <A.T.جاكوبسون> - <R.پارينتاني>

عندما اقترح <A.آينشتاين> نظرية النسبية الخاصة عام 1905، ألقى جانبا بالفكرة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر والقائلة بأن الضوء ناجم عن اهتزازات في وسط افتراضي يسمّى الأثير. وبدلا من ذلك، قدّم <آينشتاين> الدليل على أن الموجات الضوئية يمكن أن تنتقل في الفراغ دون حاجة إلى وجود أي مادة ـ على خلاف الموجات الصوتية التي تنجم عن اهتزازات في الوسط المادي الذي تنتشر فيه. وهذا الجانب من النسبية الخاصة لم يمسّ في الركنين الآخرين للفيزياء الحديثة، النسبية العامة والميكانيك الكمومي، ويمكن بنجاح تفسير جميع البيانات التجريبية التي لدينا حتى الآن، والتي تغطّي مجالا واسعا من المقاييس يمتدّ من المقاييس ما دون النووية إلى المقاييس الفلكية، وذلك من خلال
النظريات الثلاث هذه (النسبية الخاصة والعامة والميكانيك الكمومي).


نظرة إجمالية/ الثقوب السوداء الصوتية(**)

   قدّم الفيزيائي الشهير <S.هوكنگ> عام 1970 الدليل على أن الثقوب السوداء ليست سوداء تماماً، لأنها تُصدر وهجا كموميا لإشعاع حراري. ولكن هناك مشكلة في تحليل هوكنگ تتلخّص في أن الموجات التي تبدأ عند أفق الثقب الأسود سوف تمتطّ، وفقا للنظرية النسبية، وسوف يزيد طولها بمقدار لامتناه في الكبر عندما تنتشر بعيدا عن الثقب. لذلك، يجب أن يصدر إشعاع هوكنگ من منطقة غاية في الصغر، حيث تهيمن ظواهر الثقالة الكمومية.
   حاول الفيزيائيون الإلمام بكنه هذه المسألة عبر دراستهم نماذجَ لمنظوماتِ موائع شبيهة بالثقوب السوداء. تمنع البنية الجزيئية للمائع الامتطاط اللامتناهي وتستعيض عن الغرائب الميكروية للزمكان بفيزياء معروفة.
  تؤيّد النماذج المشابهة هذه استنتاج هوكنگ وتدفع بعض الباحثين إلى اقتراح فكرة أن للزمكان بنية «جزيئية»، وذلك خلافا لفرضيات النظرية النسبية المتعارفة

ومع ذلك، يواجه الفيزيائيون مسألة مفاهيمية عميقة. إن نظريتي النسبية العامة والميكانيك الكمومي، كما نفهمهما اليوم، لا تنسجم إحداهما مع الأخرى. وباءت بالفشل جميع محاولات العلماء لدمج الثقالة gravity التي تعزوها النسبية العامة إلى انحناء(2) curvature الزمكان، ضمن الإطار الكمومي. وقد حقّق النظريون تقدّما ضئيلا في فهم بنية الزمكان الشديدة الانحناء التي يتنبّأ بها الميكانيك الكمومي عند مسافات متناهية في الصغر. وقادهم ما انتابهم من شعور بالإحباط إلى التماس الإرشاد في مجال غير متوقّع: إنه مجال فيزياء المادة الكثيفة التي تدرس خواصّ المواد العادية مثل البلورات والموائع.

من بُعد، تبدو المادة الكثيفة مستمرّة مثل الزمكان عندما ينظر إليه في المقاييس الكبيرة، ولكنها على خلاف الأخير لها بنية مجهرية يتحكّم فيها الميكانيك الكمومي ونفهمها بشكل جيّد. إضافة إلى ذلك وإلى حد كبير، يماثل انتشار الصوت في مائع هائج انتشارَ الضوء في زمكان منحن. وما نحاوله وزملاؤنا، عبر استخدامنا للموجات الصوتية لدراسة نموذج للثقوب السوداء، هو استغلال هذا التماثل من أجل اكتساب بصيرة خلاّقة وفهمٍ أعمق لكيفية عمل بنية الزمكان الميكروية. ويوحي عملنا بأن بنية الزمكان، حاله في ذلك حال مائع مادّي، قد تكون حبيبية وذات إطار مرجعي(3) مفضل يظهر نفسه عند المقاييس الصغيرة، وذلك على خلاف فرضيات <آينشتاين> .

من الثقب الأسود إلى الجمرة الساخنة(***)


تعتبر الثقوب السوداء حقلَ تجاربَ ممتازا لاختبار نظريات الثقالة الكمومية، لأنها تمثّل أحد الأمكنة النادرة التي نحتاج فيها إلى استخدام كلتا نظريتي الميكانيك الكمومي والنسبية العامة لفهم كيفية عملها. وقد تحقّقت خطوة كبيرة نحو توحيد النظريتين عام 1974 عندما طبّق <هوكنگ> [من جامعة كمبردج] الميكانيك الكمومي على دراسة أفق حدث(4) الثقب الأسود.

ووفقا للنسبية العامة، يمثّل أفق حدث الثقب الأسود السطح الفاصل بين داخل الثقب (حيث الثقالة كبيرة جدا بحيث لا يستطيع أي شيء الإفلات منها) وخارجه. وهذا الفاصل ليس ماديا، فالمسافرون السيّئو الحظّ لن يشعروا بأي شيء خاص عند اجتيازهم هذا الفاصل أثناء سقوطهم نحو الثقب الأسود، ولكنهم إذا فعلوا ذلك فلن يكونوا قادرين على إرسال إشارات ضوئية إلى أناس خارج الثقب، فكيف إذًا بالانتقال والعودة للخارج. وسيقتصر المراقب الخارجي في تسلّمه إشارات المسافرين على تلك التي أرسلوها قبل اجتيازهم للأفق، إذ إن الموجات الضوئية عند تسلّقها لبئر الثقالة المحيطة بالثقب الأسود تمتطّ فينقص تواترها ويزيد دورها. ونتيجة لذلك، سيبدو المسافر بالنسبة إلى المراقب متحرّكا حركة بطيئة وأكثر احمرارا من العادة.

يُعرف هذا الأثر بالانزياح التثاقلي نحو الأحمر(5)، وهو ليس خاصية مميّزة للثقوب السوداء وحدها. فمثلا، يسبّب هذا الأثر أيضا تغيّر التواتر والزمن الفاصل بين الإشارات الصادرة عن الأقمار الصنعية الدائرة حول الأرض وعن محطّاتها الأرضية، وعلى منظومات تحديد المواقع على الكرة الأرضية GPS أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند تحديد دقيق لموقع ما. مع ذلك، ما هو مميّز للثقوب السوداء هو أن هذا الانزياح نحو الأحمر يبلغ قيما لامتناهية في الكبر عندما يقترب المسافر من أفق الثقب الأسود. ومن وجهة نظر المراقب، يبدو الهبوط وكأنه يستغرق زمنا لامتناهيا في الكبر، مع أن هذا الهبوط نفسه يستغرق وقتا محدودا بالنسبة إلى المسافر نفسه.


 
هل كان هوكنگ على خطأ؟(****)

يتعلّق واحد من أهمّ أسرار الثقوب السوداء وأقلها اعترافا به، بتخمين هوكينگ المشهور حول إمكان إصدار الثقب الأسود لإشعاع. يُحدّد الثقب الأسود بأفق حدث يمكن اعتباره بوّابة في اتّجاه واحد، حيث يمكن للأجسام خارجه أن تسقط إلى داخله، في حين لا يمكن خروج الأجسام من داخله. وقد تساءل هوكنگ عمّا سيحدث لزوج من الجسيمات الافتراضية (التي تظهر وتختفي باستمرار في كل مكان من الفضاء الخالي بسبب الآثار الكمومية) نشأ عند الأفق نفسه


تتنبّا النظرية النسبية بأن الفوتون الصادر عن الأفق سوف يمتطّ بمقدار لامتناه في الكبر (الخط الأحمر في الأسفل). وبعبارة أخرى، لا بدّ لفوتون تتمّ ملاحظته أن يكون قد نشأ كفوتون افتراضي بطول موجيّ معدوم تقريبا. ويُعتبر هذا الأمر مسألة مقلقة لأن الآثار الكمومية غير المعروفة تصبح هي المهيمنة عند مسافات أقصر ممّا يُدعى بطول پلانك 10-35 متر. وقد دفع هذا اللغز الفيزيائيين إلى تخيّل نماذج مشابهة للثقوب السوداء قابلة للتحقيق تجريبيا، وذلك من أجل اختبار إمكانية إصدارها لإشعاع، وفهم كيفية نشوئه في حال صدوره

وحتى الآن، تمّت معالجتنا للضوء في وصفنا للثقوب السوداء على أساس اعتباره موجة كهرمغنطيسية تقليدية. وما فعله <هوكنگ> هو إعادة تحليل مقتضيات القيمة اللامتناهية في الكبر للانزياح نحو الأحمر عند اعتبار الطبيعة الكمومية للضوء. ووفقا للنظرية الكمومية، فإن الخلاءَ المثاليَ نفسَه غيرُ فارغ تماما بل يعجّ بهيجانات وتراوحات ناجمة عن مبدأ الارتياب لهايزنبرگ. ويمكن لهذه التموّجات أن تتجسّد بشكل أزواج من الفوتونات الافتراضية والتي ندعوها كذلك، لأنها في زمكان منحن بعيدا عن أيّ تأثير ثقالي، تولد وتفنى بشكل مستمرّ ممّا يجعلها غير قابلة للملاحظة عند غياب أيّ اضطراب.

ولكن يمكن لفرد من زوج افتراضي، في الزمكان المنحني حول ثقب أسود، أن يجري حجزه فيلج داخل الأفق في حين يبقى الآخر خارجه. وعندها يمكن للزوج الافتراضي أن يصبح حقيقيا ما يؤدي إلى تدفّقِ ضوءٍ نحو الخارج يمكن ملاحظته، ويرافق ذلك نقصان في كتلة الثقب. والنمط الإجمالي للإشعاع هو حراري، مثل حال جمرة ساخنة، بدرجة حرارة متناسبة عكسا مع كتلة الثقب الأسود. تُعرف هذه الظاهرة باسم مفعول هوكنگ(6). وما لم يبتلع الثقب كتلة أو طاقة لتعويض ما يفقده، فإن مفعول هوكنگ سيجعله يستنفد كامل كتلته.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى نقطة مهمة، ستصبح حاسمة لاحقا عند اعتبار الأشباه المائعة للثقوب السوداء، وهي بقاء المكان المجاور تماما لأفق الثقب الأسود في حالة خلاء كمومي تامّ تقريبا. وفي الحقيقة، يُعدّ هذا الشرط أساسيا في برهان هوكنگ، لأن الفوتونات الافتراضية خاصية للحالة الكمومية ذات الطاقة الأخفض، أو «الحالة الأساسية»(7). ويمكن للفوتونات الافتراضية أن تصبح حقيقية ولكن فقط عند انفصالها عن شركائها في الأزواج الافتراضية وتسلّقها حقلَ الثقالة بعيدا عن الأفق.

المجهر النهائي(*****)

أدى تحليل هوكنگ دورا مركزيا في محاولة بناء نظرية كمومية للثقالة. وتُعتبر القدرة على إعادة استنتاج مفعول هوكنگ وإيضاحه اختبارا حاسما لأي نظرية مرشّحة لأن تكون نظريةَ ثقالةٍ كمومية، مثل نظرية الأوتار(8). ومع أن معظم الفيزيائيين يقبلون بحجج <هوكنگ> فإنهم لم يستطيعوا قطّ التأكّد منها تجريبيا، لأن ما يتنبّأ به من إصدار ضوئي عن الثقوب السوداء المجرّية والنجمية أصغر بكثير ممّا نتمكّن الآن من تحسّسه. والأمل الوحيد في ملاحظة إشعاع هوكنگ يكمن في أن نجدَ ثقوبا سوداء صغيرة من بقايا الكون الموغل في القدم أو أنها كُوّنت في المسرّعات الجسيمية، وهذا احتمال قد يكون معدوما [انظر: «الثقوب السوداء الكمومية»، مجلة العلوم  ، العددان 5/6 (2005) ، ص 48].


 
الضوء مقابل الصوت؟(******)

ويُعدّ افتقارنا إلى تأكيد تجريبي عن مفعول هوكنگ أمرا مُقلقا لا سيما إذا تذكّرنا الحقيقةَ المزعجة عن وجود عيوب في بناء النظرية نفسها ناجمة عن تنبئها بقيمة لامتناهية في الكبر لانزياح الفوتون نحو الأحمر. لنعتبر عملية الإصدار وكيف تبدو عندما ننظر إليها وقد عدنا بالزمان إلى الوراء (أي عندما نتطلّع إلى تطوّرها الزمني بالرجوع عبر الزمن حتى لحظة بدايتها). عندما يقترب الفوتون من الثقب فإنه يصبح أكثر ازرقاقا، أي يزيد تواتره وينقص طوله الموجي. وكلّما رجعنا أكثر إلى الوراء في الزمن اقتربَ الفوتون أكثر من الأفق، ومن ثم قَصُر طوله الموجي. وعندما يصبح الطول الموجي أصغر بكثير من الثقب الأسود ينضم الجسيم الفوتوني إلى شريكه مكونا الزوج الافتراضي الذي ناقشناه مسبقا.

تسلك التموّجات في مجرى مائي سلوكا مماثلا إلى حد كبير لسلوك الموجات الضوئية في الزمكان. إن الجريان حول الصخرة ليس منتظما ممّا يسبّب انحناء التموّجات وتغيّر طولها الموجي. ويحدث الأمر نفسه بالنسبة إلى ضوء يمرّ عبر الحقل التثاقلي لكوكب أو نجم. وفي بعض الحالات، يكون الجريان سريعا جدا لدرجة أن التموّجات لا تستطيع الانتشار باتجاه معاكس لاتجاه الجريان تماما كالضوء، لا يمكنه الإفلات من الثقب الأسود للانتشار خارجه.

يستمرّ الانزياح نحو الأزرق دون توقّف ويمكن بلوغ مسافات صغيرة كيفية (9). وعندما تصبح المسافة أصغر من 10-35 متر، أو ما يُعرف باسم طول پلانك، عندها لا يمكن للنظرية النسبية ولا للميكانيك الكمومي أن يتنبآ بسلوك الجسيم، ولا بدّ لنا هنا من استدعاء نظرية كمومية للثقالة. لذلك، يُعدّ أفق الثقب الأسود مجهرا رائعا بامتياز يسمح للمراقب أن يكون على تماسّ مع ظواهر فيزيائية غير معروفة. وبالنسبة إلى الفيزيائي النظري، تُعتبر إمكانية التضخيم هذه مقلقة، إذ لو كان تنبّؤ هوكنگ قائما على فيزياء غير معروفة، أفلا يحقّ لنا الشكّ في صلاحيته؟ ألا يمكن لخصائص إشعاع هوكنگ، بل حتى وجوده، أن تعتمد على خصائص الزمكان الميكروية، تماما كما تعتمد، مثلاً، السعةُ الحرارية لمادة ما أو سرعةُ الصوت فيها على بنيتها الميكروية وديناميكيتها؟ أم أن هذا الأثر يتحدّد تماما، كما حاجّ <هوكنگ> في بداية الأمر، من خلال الخصائص الماكروية للثقب الأسود، وعلى وجه الخصوص كتلته وسپينه spin؟

لسعات صوتية(*******)

بدأت إحدى المحاولات للإجابة عن هذه الأسئلة مع عمل <W.أونره> [من جامعة بريتش كولومبيا]. فقد بيّن <أونره>  عام 1981 أن هناك تشابها كبيرا بين انتشار الصوت في سائل متحرّك وبين انتشار الضوء في زمكان منحن. واقترح أن هذا التشابه قد يفيد في تخمين أثر الفيزياء الميكروية في إشعاع هوكنگ. إضافة إلى ذلك، يمكن لهذا التشابه أن يسمح حتى بإمكانية الملاحظة التجريبية لظاهرة متضمّنة لإشعاع هوكنگ.


نموذج مشابه لثقب أسود(********)

 يمثّل مِنفَث لاکال Laval nozzle، الذي يوجد في مؤخرة الصواريخ، نموذجا جاهزا مشابها لثقب أسود. يدخل المائع بسرعة تحت صوتية subsonic، ويجبره العائق التضيّقي على التسارع ليبلغ سرعة الصوت بحيث يخرج هذا المائع بسرعة فوق صوتية. ويمكن للموجات الصوتية في المنطقة تحت الصوتية أن تتحرّك ضد التيّار، في حين لا تستطيع ذلك في المنطقة فوق الصوتية. فالتضيّقُ إذًا يسلك سلوكَ أفقِ ثقب أسود، ومن ثم يمكن للصوت الولوج إلى المنطقة فوق الصوتية ولكنه لا يستطيع الخروج منها. وتولّد التراوحات والتموّجات الكمومية عند التضيّق مشابهات صوتية لإشعاع هوكنگ.


تتميّز الموجات الصوتية، مثلها في ذلك مثل الموجات الضوئية، بتواترها وطولها الموجي وسرعة انتشارها. وإن مفهوم الموجة الصوتية صالح فقط من أجل أطوال موجة أكبر بكثير من المسافة بين الجزيئات في السائل، إذ تتوقّف الموجات الصوتية عن الوجود عند المسافات الأقصر. إن هذا التقييد هو ما يجعل النموذج التشابهي مهما لدرجة كبيرة، لأنه يسمح للفيزيائيين بدراسة ما ينجم ماكرويا عن البنية الميكروية. ومع ذلك، ولكي يكون التشابهُ مفيدا فعلا، عليه أن يكون صالحا على المستوى الكمومي كذلك. وبشكل عام، تمنع الاهتزازات الحرارية للجزيئات الموجاتَ الصوتية من أن تسلك سلوكَ كموم quanta الضوء، ولكن عندما تقترب درجة الحرارة من الصفر المطلق يمكن للصوت أن يسلك سلوكَ جسيمات كمومية يدعوها الفيزيائيون باسم «الفونونات» تأكيدا لتشابهها مع جسيمات الضوء «الفوتونات». ويلاحظ الفيزيائيون التجريبيون الفونونات مرارا في البلّورات وفي المواد التي تبقى مائعة في درجات الحرارة المنخفضة مثل الهليوم السائل.

يشبه سلوك الفونونات في مائع ساكن أو متحرّك بحركة منتظمة سلوكَ الفوتونات في زمكان مستو حيث الثقالة غائبة. وتنتشر مثل هذه الفونونات في خطوط مستقيمة محافظة على قيم طولها الموجي وتواترها وسرعتها. ينتشر الصوت، مثلا في بركة سباحة ساكنة أو في نهر يجري بهدوء، بشكل مستقيم من منبعه إلى الأذن.

ومع ذلك، تتغيّر سرعة الفونونات في سائل يتحرّك بشكل غير منتظم، وقد تمتطّ أطوالها الموجية تماما كحال الفوتونات في زمكان منحن. ويتشوّه الصوت المنتشر عبر نهر عند ملاقاته واديا ضيقا أو عند ملاقاته لما يدور حول فتحة التصريف، فيسلك مسارا منحنيا مثل مسار الضوء المارّ بالقرب من نجم. وفي الحقيقة، يمكن توصيف هذه الظاهرة الصوتية باستخدام الأدوات الرياضياتية الهندسية للنسبية العامة.

ويمكن لجريان مائع أن يؤثّر في الصوت كما يؤثّر الثقب الأسود في الضوء. وهناك طريقة لتكوين مثل هذا الثقب الأسود الصوتي وهي استخدام جهاز يدعوه المهندسون المائيون باسم مِنفَث لاکال(10). وقد صمم هذا المِنفث بحيث تصل سرعة المائع في نقطة التضيّق الأشدّ سرعةَ الصوت في المائع وتتجاوزها من دون أن تكوّن موجة صدم(11) (وهي التي تكافئ وجود تغيّر مفاجئ في خصائص السائل). تماثل الهندسة الإجمالية للمسألة الصوتية هذه هندسةَ الزمكان لثقب أسود، إذ توافق المنطقةُ فوق الصوتية المنطقةَ داخل الثقب حيث يتمّ ابتلاع الموجات الصوتية المنتشرة بعكس جهة الجريان لتنجرّ مع التيّار مثل انجرار الضوء نحو مركز الثقب الأسود. أمّا المنطقة دون الصوتية فهي توافق المنطقةَ خارج الثقب حيث يمكن للموجات الصوتية أن تنتشر ضد التيّار ولكن على حساب تمطّطها وزيادة طولها، مثلما يحدث للضوء عند الانزياح نحو الأحمر. أما الحدّ الفاصل بين هاتين المنطقتين فيسلك سلوكَ أفق الثقب الأسود تماما.

المذهب الذرّي(*********)

إذا كان المائع باردا بشكل كاف فيبقى التشابه قائما حتى على المستوى الكمومي. وقد قدّم <أونره> حججا على أن الأفق الصوتي يصدر فونونات حرارية مماثلة لإشعاع هوكنگ. تسبّب التراوحات والتموّجات الكمومية قرب الأفق ظهور أزواج من الفونونات، ويُجرف أحد الشريكين في زوج ما إلى المنطقة فوق الصوتية، ولن يستطيع الخروج منها أبدا، بينما يكمل الشريك الآخر اهتزازاته وينتشر ضدّ التيّار متمطّطا أثناء ذلك بفعل تدفّق المائع. ولو وضعنا ميكرفونا في أعلى النهر لالتقط هسهسة ضعيفة، تأتي طاقتها الصوتية من الطاقة الحركية للمائع المتدفّق.


نماذج أخرى للثقوب السوداء (**********)

   يمكن لأجهزة أخرى غير مِنفث لاکال إظهار الخصائص الأساسية لأفق حدث ثقب أسود والمتمثّلة بإمكانية حركة الموجات في طريق دون آخر. وكلٌّ من هذه الأجهزة يوفر استبصارات حول الثقوب السوداء، وعليها جميعا توليد ما يشابه إشعاع هوكنگ.
  
تتضمّن هذه التجربة، عوضا عن الموجات الصوتية، موجات سطحية في مائع يجري حول قناة دائرية. وعندما تصبح القناة أقل عمقا، فإن الجريان يتسارع ويمكن له في بعض النقاط أن يسبق الموجات السطحية مانعا إياها من الحركة ضد التيار ـ مكونا بذلك ما يشبه أفق ثقب أسود. يُكمل هذه الدارة ما يُعرف باسم أفق الثقب الأبيض، وهو منظومة تسمح للتدفّق المادي بالخروج منها ولكن لا تسمح له بدخولها. ومن أجل ملاحظة الإشعاع على طريقة هوكنگ لا بدّ من استخدام مائع تمّ تبريده لدرجة كبيرة مثل الهليوم 4.
 
 تدرس هذه التجربة الموجات الميكروية المارة عبر عصا على شكل أنبوب بُنيت بحيث يمكن تعديل سرعة انتشار الموجة بوساطة حزمة ليزرية. ومن خلال مسح هذه الحزمة لكامل طول العصا، يمكن تكوين أفق متحرّك يقسم العصا إلى منطقتين موافقتين لموجات سريعة وأخرى بطيئة. ولا يمكن للموجات في المنطقة البطيئة بلوغ المنطقة السريعة، في حين يمكن للموجات في المنطقة السريعة العبور إلى المنطقة البطيئة. وقد يكون الإشعاع على طريقة هوكنگ في هذه الحالة أقوى وأسهل رصدا منه في النماذج المشابهة المائعة.

  
 يستطيع المحور الطويل لسحابة غازية على شكل سيگار وآخذة في التضخّم أن تحاكيَ كونا أحادي الأبعاد يزداد اتّساعا بشكل متسارع. ويسلك مثل هذا الكون سلوك ثقب أسود معكوس (أي يمتص الأشياء من الداخل ويقذفها إلى الخارج): فالموجات التي تقع خارج الأفق يتم ابتلاعها بسرعة كبيرة ولا تستطيع دخول المنطقة الداخلية. والإشعاع على طريقة هوكنگ ينتشر نحو الداخل. وفي العادة، قد يكون الغاز متكثَّف «بوز-آينشتاين»، وهو نوع من الغازات الفائقة البرودة ذو خواص كمومية تجعل التشابه مع مفعول هوكنگ ممكنا.

تعتمد النغمة المهيمنة للضجة التي نسمعها على هندسة المسألة؛ وتكون القيمة النموذجية للطول الموجي للفونونات الملاحَظة من مرتبة المسافة التي تتغيّر خلالها سرعة المائع بشكل محسوس. تفوق هذه المسافة إلى حد كبير المسافةَ الفاصلةَ بين الجزيئات ممّا سمح ل <أونره> في عمله الأصلي اعتبارَ المائع كلّه أملس ومتّصلا. ومع ذلك، تتكوّن الفونونات قرب الأفق بأطوال موجية قصيرة جدا لدرجة أنها لا بدّ أن تتحسّس الطبيعة الحبيبيةَ للمائع. هل يؤثّر هذا الاعتبار في النتيجة النهائية؟ هل يمكن لمائع حقيقي إصدار فونونات على طريقة هوكنگ، أم أن توقّع <أونره> نتاج صنعي ناجم عن اعتبارنا المثالي لمائع متّصل؟ فلو أمكن الإجابة عن هذه الأسئلة من أجل الثقوب السوداء الصوتية لساعد التشابه على توجيه الفيزيائيين في حالة الثقوب السوداء التثاقلية(12).

اقترح الفيزيائون، إضافة إلى مثال تدفّق مائع بسرعة قريبة من سرعة الصوت، عددا من النماذج المشابهة للثقوب السوداء. ويتضمّن بعض هذه النماذج، عوضا عن الموجات الصوتية، اهتزازاتٍ على سطح مائع أو على طول الحدّ الفاصل بين طبقات من الهليوم فائق الميوعة والذي يتميّز بدرجة حرارة منخفضة أفقدته أيَّ مقاومة احتكاكية للحركة. وحديثا اقترح <أونره> و <R.شوتزهولد> [من الجامعة التقنية في درسدن] دراسةَ موجات كهرمغنطيسية تمرّ عبر أنبوب إلكتروني ضئيل ومهندس بدقة. مبدئيا، من الممكن، للفيزيائيين تكوين حادثةِ أفقٍ، وذلك عبر إرسال ضوء ليزر على طول الأنبوب ماسحا إيّاه كلّيةً من أجل تغيير السرعة الموضعية للموجة. وتكمن فكرة أخرى في نمذجة التوسع المتسارع للكون والذي يولّد إشعاعا على طريقة هوكنگ، حيث يمكن، مثلاً، لمتكَثَّف «بوز-آينشتاين»(13)، وهو غاز بارد لدرجةِ فقدانِ الذرّات لهويّتها كجسيمات منفردة، أن يؤثّر في الصوت مثل تأثير الكون الآخذ بالاتّساع في الضوء، إمّا عبر تطايره باتجاهات متباعدة، أو عبر التحكّم فيه باستخدام حقل مغنطيسي لإعطاء الأثر نفسه.


لقد كان هوكنگ على حقّ، ولكن ... (***********)

     توحي لنا النماذج المائعة المشابهة للثقوب السوداء بطريقة لتصحيح الخلل في تحليل هوكنگ. في مائع مثالي، تكون سرعة الصوت ثابتة مهما يكن الطول الموجي (وهذا يسمى سلوك النمطI). وفي مائع حقيقي، تتناقص سرعة انتشار الصوت (النمط II) أو تتزايد (النمطIII) مع تناقص الطول الموجي واقترابه من قيمة المسافة الفاصلة بين الجزيئات.

    
يرتكز تحليل هوكنگ على النظرية النسبية المعهودة، حيث يسير الضوء بسرعة ثابتة (سلوك النمط I). وإذا تغيّرت سرعة الضوء مع تغيّر الطول الموجي، كما في النماذج المائعة المشابهة، فقد تتغير مسارات فوتونات هوكنگ
   من أجل النمط II، تُخلق الفوتونات خارج الأفق وتسقط للداخل. واحدٌ منها سيعاني تغيّرا في سرعته ثم يعكس اتّجاهه وينطلق خارجا

  
من أجل النمط III، تنشأ الفوتونات داخل الأفق. يتسارع أحدها متجاوزا سرعة الضوء الاعتيادية ممّا يسمح له بالإفلات


لما كانت الفوتونات لا تنشأ عند الأفق بالضبط، فإنها لن تتعرض لانزياح لانهائي نحو الأحمر. ولهذا التصحيح لتحليل هوكنگ ثمن وهو وجوب إدخال تعديلات على النظرية النسبية. فخلافا لفرضيات <آينشتاين> ، يجب على الزمكان أن يسلك سلوك مائع مكوّن من «جزيئات» من طبيعة غير معروفة

لم يصنع التجريبيون إلى الآن أيا من هذه الأجهزة في المختبرات. إن العمليات والإجراءات المتضمّنة لتحقيق ذلك معقّدة، ويوجد في ظواهر فيزياء درجة الحرارة المنخفضة ما يكفي لشغل بال التجريبيين. من أجل ذلك، يحاول النظريون الآن في معالجتهم هذه المسألة دراسةَ إمكانية تحقيق تقدّم رياضياتي.

يُعدّ فهم كيفية تأثير البنية الجزيئية للمائع في الفونونات بالغ التعقيد. ولحسن الحظ، وبعد عشر سنوات من اقتراح <أونره> لنموذجه المشابه الصوتي، أتى أحدنا (جاكوبسون) بفكرة مبسطة مفيدة جدًا. يمكن تضمين مجمل التفاصيل الأساسية للبنية الجزيئية في الطريقة التي يعتمد بها تواتر الموجة الصوتية على طولها الموجي. وعلاقة الاعتماد هذه تسمى علاقة التشتّت(14)، وهي تحدّد سرعة انتشار الموجة. وهذه السرعة ثابتة من أجل أطوال موجية كبيرة، بينما يمكن لها أن تتغيّر مع طول الموجة عندما يصبح هذا الأخير صغيرا من مرتبة المسافة الفاصلة بين الجزيئات.

يمكن ظهور ثلاثة أنماط سلوكية مختلفة لعلاقات التشتّت. لا يتضمّن النمط I أيّ تشتّت، أي إن الموجات ذات الأطوال الموجية القصيرة تسلك سلوكَ الموجات الطويلة نفسه. أمّا في النمط II فإن سرعة الانتشار تنقص عندما يصغر الطول الموجي، في حين تزداد هذه السرعة في النمط III بنقصان الطول الموجي. يصف النمط I الفوتونات في النظرية النسبية، في حين يصف النمط II الفونونات في الهليوم الفائق الميوعة مثلاً، أمّا النمط  IIIفيصف الفونونات في متكثفات «بوز-آينشتاين» المخففة. يُعتبر هذا التصنيف إلى ثلاثة أنماط مبدأ تنظيميا يسمح بمعرفة كيفية تأثير البنية الجزيئية في الصوت ماكرويا. ومنذ بداية عام 1995، قام <أونره> وباحثون آخرون بدراسة مفعول هوكنگ بوجود علاقة تشتّت من النمط II أو النمط III.

لنرَ كيف تبدو الفونونات، على طريقة هوكنگ، وذلك عندما ننظر إليها كما كانت في ماضي الزمن. في البداية، لا يؤثّر نمط علاقة التشتّت في سلوك الفونونات، فتسبح هذه باتجاه التيّار نحو الأفق وطولها الموجي يتناقص أثناء ذلك. ويصبح نمط علاقة التشتّت مهمًا عندما يقترب الطول الموجي من مرتبة المسافة الفاصلة بين الجزيئات. في النمط II، تبدأ الفونونات بالتباطؤ ثم تعكس جهة سيرها وتبدأ بالجريان ضدّ التيار، أمّا في النمط III، فإنها تتسارع لتبلغ سرعة أكبر من سرعة انتشار الصوت الموافقة للأطوال الموجية الكبيرة ثمّ تجتاز الأفق.

عودة إلى الأثير(************)

إن مشابها حقيقيا لمفعول <هوكنگ> يجب أن يحقّق شرطا مهمًا، وهو ضرورة أن تبدأ الأزواج الافتراضية للفونونات حياتَها في الحالة الأساسية، كما هي الحال بالنسبة إلى أزواج الفوتونات الافتراضية حول الثقب الأسود. ويمكن تحقيق مثل هذا الشرط بسهولة في مائع حقيقي. وطالما كان تغيُّر تدفّقُ المائع الماكروي بطيئا في الزمان وفي المكان (مقارنة بمعدّل تواتر الأحداث على المستوى الجزيئي)، فإن الحالة الجزيئية للمائع تتعدّل باستمرار من أجل تخفيض طاقة المنظومة ككل. وليس مهما هنا طبيعة جزيئات المائع المكونة له.

يمكن البرهان على أنه عند تحقيق هذا الشرط فإن المائع سيصدر إشعاعًا على طريقة هوكنگ بصرف النظر عن أيّ نوع من علاقات التشتّت الثلاث التي يخضع لها المائع. ولن يكون هنا للتفاصيل الميكروية للمائع أيّ أثر في هذه النتيجة، إذ إن أهميتها تزول تماما عند انطلاق الفونونات بعيدا عن الأفق. إضافة إلى ذلك، فإن الأطوال الموجية الكيفية القصيرة التي يستدعيها تحليل هوكنگ في عمله الأصلي، لا تظهر عندما تكون علاقة التشتّت من أحد النمطين II أو III. وبدلا من ذلك، فإن الأطوار الموجية تتناقص إلى حدودها الدنيا عند المسافة الفاصلة بين الجزيئات. وليس الانزياح نحو الأحمر اللامتناهي إلاّ تجسيدا خاطئا للفرضية غير الفيزيائية عن الذرات المتناهية في الصغر.

وعند تطبيقه على ثقوب سوداء حقيقية، فإن المشابه المائع يضفي ثقة بأن نتيجة <هوكنگ> صحيحة على الرغم من الفرضيات التبسيطية التي أخذ بها. إضافة إلى ذلك، يوحي هذا التشابه لبعض الباحثين بأنه يمكن تجنّب الانزياح اللامتناهي نحو الأحمر عند أفق ثقب أسود تثقالي(15) وذلك بتشتيت أطوال موجية قصيرة للضوء، مثلما يحدث في حالة المائع. إلا أن هناك شركا مخبّأ هنا. فالنظرية النسبية تؤكد بصورة قاطعة أن الضوء لا يعاني أيّ تشتّت في الفراغ. والطول الموجي للفوتون يبدو مختلفا بالنسبة إلى مراقبين مختلفين؛ فهو لامتناه في الكبر عندما يُرى من جملة مرجعية متحرّكة بسرعة قريبة جدا من سرعة الضوء. لذلك، لا يمكن لقوانين الفيزياء أن تحدّد لنا حدّا ثابتا للطول الموجي القصير، الذي يتغيّر عنده نوعُ علاقة التشتّتِ من النمط I إلى النمط II أو III. فلكلّ مراقب قيمة خاصة به لذلك الحدّ.

إذًا يواجه الفيزيائيون معضلة، فإمّا أن يحافظوا على ما حتّم عليه <آينشتاين> وهو عدم وجود جملة مرجعية مميّزة، ويقبلوا في الوقت نفسه بحقيقة الانزياح اللامتناهي نحو الأحمر، أو أن يفترضوا أن الفوتونات لا تعاني انزياحا لامتناهيا نحو الأحمر، وعليهم في هذه الحالة أن يقبلوا بوجود جملة مرجعية للمراقبة مميّزة. هل ستنتهك جملة مرجعية كهذه مبدأَ النسبية؟ لا أحد يعرف إلى الآن الإجابة عن هذا السؤال. قد يكون من الممكن أن ننظر إلى هذا المرجع(16) المفضّل كأثير محلي يظهر فقط قرب آفاق الثقوب السوداء، وفي هذه الحالة تبقى النظرية النسبية صالحة بشكل عام. ومن ناحية أخرى، قد يوجد هذا المرجع المفضّل في كلّ مكان وليس فقط قرب الثقوب السوداء، وفي هذه الحالة ستكون النظرية النسبية تقريبا لنظرية أعمق عن الطبيعة. لم يلاحظ التجريبيون إلى الآن مثل هذا المرجع المفضّل، ولكن هذه النتيجة السلبية قد تكون ببساطة ناجمةً عن افتقار التجارب للدقة الكافية.

لقد خامر الفيزيائيين منذ زمن طويل الشعورُ بأن التوفيق بين النسبية العامة والميكانيك الكمومي سيُدخل حدًا خاصا بالمسافات الصغيرة، وقد يكون هذا الحد ذا صلة بمقياس پلانك. ويدعم التشابه الصوتي هذا الشعورَ بأن للزمكان بنية حبيبية نوعا ما، لكي يلطّفَ ذلك من أثر الانزياح اللامتناهي نحو الأحمر المريب.

إذا كان الأمر كذلك لكان التشابه بين انتشار الصوت وانتشار الضوء أفضل حتى ممّا ظنّ به أولا <أونره> . وقد يقودنا التوحيد بين النسبية العامة والميكانيك الكمومي إلى تخلّينا عن ذلك التصوّر المثالي لمكانٍ وزمانٍ مستمرّين ومتّصلين، كما يقودنا إلى اكتشاف «ذرّات» الزمكان. ومن الممكن أن تكون أفكار مشابهة قد راودت <آينشتاين> عند كتابته رسالة لصديقه العزيز <M.بيسو> عام 1954، وذلك قبل وفاته بسنة، إذ قال: «أعتبر أنه من الممكن تماما استحالة بناء الفيزياء على أساس مفهوم الحقل field، أي على أساس بنية متّصلة.» ولكن هذا الأمر سيقتلع الأسس الراسخة التي تقوم عليها فيزياء اليوم، وليس لدى العلماء في الوقت الحاضر نظرية واضحة يمكن ترشيحها لتكون بديلا. وفي الواقع، يضيف <آينشتاين> : «وعندها لن يبقى شيء في الهواء من قلعة إسهاماتي النظرية، بما في ذلك نظرية التثاقل، والأمر سيّان بالنسبة إلى ما تبقّى من الفيزياء الحديثة.» لكن لاتزال القلعة صامدة بعد مرور خمسين سنة على كتابة هذه الرسالة، مع أن مستقبلها ليس واضحا. ومن الممكن أن تكون الثقوب السوداء أو مشابهاتها الصوتية قد بدأت بإنارة الطريق وسبر غوره.


المؤلفان
Theodore A. Jacobson - Renaud Parentani
 
  يدرسان ألغازَ الثقالة الكمومية ونتائجَها القابلةَ للملاحظة في فيزياء الثقوب السوداء والكوسمولوجيا (علم الكون).
 
 جاكوبسون هو أستاذ الفيزياء بجامعة ماريلاند وتتركّز أبحاثه الحديثة على ترموديناميك الثقوب السوداء ودراسة إمكانية كون الزمكان ذا بنية منفصلة على المستوى الميكروي، وفيما إذا كان من المستطاع اكتشاف هذه البنية الدقيقة ماكرويا.
 
 أمّا پارنتاني فهو أستاذ الفيزياء بجامعة پاريس الجنوبية في أورسي، ويعمل في مختبر الفيزياء النظرية التابع للمركز الوطني للأبحاث العلمية في فرنسا (CNRS). وتتركّز أبحاثه على دور التراوحات والتموّجات الكمومية في فيزياء الثقوب السوداء والكوسمولوجيا.
 
وهذه المقالة هي ترجمة وتحديث لمقالة كتبها <پارنتاني> ونشرت في عدد الشهر5  (2005)  في مجلة Pour la Sciece، النسخة الفرنسية لمجلة ساينتفيك أمريكان، وهي إحدى أخوات مجلة العلوم.     


  مراجع للاستزادة 
 
Trane-Planeklan Redehlfte and the Substance ofthe Space-Time River. Ted Jacobson ln
Progress of Theoretical Physics Supplement, No. 136, pages 1-17; 1999. Available [free
registration] at http://ptp.ipap.jp/cgi-bin/getartlcle?magazine=PTPS&volume=136&
nurnber=8:pege=1-17

What Did we Learn from Studying Acousic Black Holes? Renaud Parentanl ln lnternotionul
Journal of Modern Physics A, vol. 17,No.20. pages 2721—2726; August 10. 2002. Preprint

Black-Hole Physice in an Electromagnetic Waveguide. Steven K. Blau in Physics Today, Vol. 58,
No.8.pages19—20;August2005.
 
For papers presented at the wnrkshnpon "Analog models of General Relativity," see

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق